الخميس, مايو 2, 2024
الرئيسيةحوارات“الرخاوى”راهب الطب النفسى: لا يوجد شعب يريد حضارة بدون ثقافة 

“الرخاوى”راهب الطب النفسى: لا يوجد شعب يريد حضارة بدون ثقافة 

طبيبى الخاص تنعى رحيل الدكتور يحي الرخاوى بحوار حصرى أخرج فيه من كنوز علمه الكثير : 

“الرخاوى”راهب الطب النفسى لطبيبى الخاص:لا يوجد شعب يريد حضارة بدون ثقافة 

ـ بداخلى طفل لو أرخيت له العنان لفضحنى بعبثه واعتماديته

* أجرى الحوار : خالد حسن النقيب .. و أميرة عبد العزيز ـ

رحل عالم الطب النفسى و راهبه عن الدنيا و بقيت إسهاماته الفكرية نبعا من ترياق لسموم الحياة و أوهامها المرضية و مشكاة نور لمن أحاطت بهم ظلمة اليأس و كآبة العيش ..

فى السطور القادمة نعيد نشر حوار مع الدكتور يحى الرخاوى لخص فيه كامل تجربته و علمه فى الحياة رحمه الله بقدر ما ترك لنا من ةعلم نافع .

 

يقولون أن هناك خيط رفيع أدق من شعرة الرأس يفصل بين العقل و الجنون و فى تلك المساحة الضيقة إلى حد العدم إما أن تنبت العبقرية أو تشتعل جذوة الإبداع .

و هناك من يردد أننا جميعا كبشر ليس إلا مرضى نمشى على الأرض .

التقينا بالدكتور يحي توفيق الرخاوى المفكر و راهب الطب النفسى فى مصر لتستكشف من خلاله الزميلة أميرة عبدالعزيز عالم المرض النفسى و أين نحن منه و نطرق أبواب علمه و نستقرىء رؤيته حول كافة قضايا العلم و مشكلات المجتمع .

ـ أعلم أنك تعشق هويتك المصرية وأنك ترفض التخلى عن التدريس باللغة العربية ، مارأيكم فى مَنْ يخالف ذلك من بعض اساتذة الجامعات ؟

 

ـ لا يوجد شعب يريد أن يساهم فى حضارة العصر إلا وعليه أن يبدأ من ثقافته، والثقافة تكاد تكون مرادفة لكل من اللغة والدين، اللغة تجمع ناسها حول وعى جمعى مشترك، لذلك أنا لا أرى لى، ولا لبلدى، لا للطب عامة ولا لفرعى بالذات مستقبل إيجابى إلا انطلاقا من ثقافتى التى تبدأ باحترام لغتى وتطويرها واستخدامها وإثرائها طول الوقت، أما من يخالف فله رأيه ويتحمل مسئوليته، ويرضى بتبعيته.

 

ملحوظة : إسرائيل أحيت العبرية بعد آلاف السنين وتدرس بها فى كليات الطب !!

 

ـ ما هى رؤيتك فى الفلسفة التعليمية للمجتمعات النامية ومدى اختلافها مع المجتمعات المتقدمة، وهل مازال وضع الطفل المصرى فى مصاف أذكى أطفال العالم بحسب الاختبارات السابقة ؟

 

ـ أطفالنا أذكياء و الـ “لا تعليم” عندنا يقوم بتجريف هذا الذكاء مع سبق الإصرار والتلقين والتغشيش

ـ إشاعة أن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم إشاعة لا ترقى إلى مستوى الأبحاث العلمية الإحصائية المنضبطة، لأنه لا توجد اختبارات ذكاء تصلح لقياس ذكاء الأطفال عبر العالم مع اختلاف ثقافاتهم، فضيحة سيرل بيرت عالم النفس البريطانى الذى زوّر فى إبحاثه بشهادة علماء بلده ليخرج بنتيجة أن الجنس الأسود أقل ذكاء فضحية ثابتة، والعكس صحيح لكننى أعترف أن خبرتى تقول أن أطفالنا أذكياء فعْلا مع أن “التعليم اللا تعليم” عندنا يقوم بتجريف هذا الذكاء مع سبق الإصرار بالتقلين والتغشيش.

 

ـ هل تناولت السينما والأعمال الأدبية والمقالات الصحفية شخصية الطبيب النفسى بشكل إيجابى ام سلبى ؟

 

ـ    غالبا بشكل سلبى، والطبيب النفسى للأسف قد قدم نفسه للمجتمع – دون قصد – بشكل سلبى أيضا، الطبيب هو حكيم فى المقام الأولَ، وهو فيلسوف أيضا، هكذا علمنا أبو قراط أبو الطب، وهو مشارك إيجابى فى تشكيل الوعى العام، والطبيب النفسى له مسئولية أكثر مباشرة فى هذا الصدد، لكن هذا المفهوم  تراجع مؤخرا فى كل العالم بتأثير قشور العلم البراق باهظ التكلفة التى تقدمها شركات الدواء.

 

ـ هل حقا أن الشعوب العربية أكثر إصابة بالإكتئاب ، وهل ترتبط الحالة المادية لدى الفرد بمدى إصابته بمرض نفسى معين ؟

 

ـ لا أعتقد ذلك، فالشعوب العربية تعيش كوارث تبرر هذا الألم الساحق نتيجة ما تواجهه ليل نهار، وما يسميه بعض الأطباء خطأ “الاكتئاب القومى”، علما بأن مبررات الحزن على البلد والخوف من المستقبل واحتمالات الضياع أصبحت أكبر من أى احتمال خاصة بعد كسرة  ما يسمى  بالربيع العربى، لكننى اثق فى شعبى العنيد ولا أقبل وصفه بالاكتئاب أصلا، مهما بلغ تفاعله أمام ألم الواقع.

 

أما ارتباط الحالة المادية بالمرض النفسى فهو وارد لكن ليس فقط يربطه بالفقر، وإنما بالحرمان، الفقر الذى نتحمله بصعوبة قد يقوينا نفسيا، لكن إذا وصل أن يضطرنا للتنازل عن الكرامة وقبول الإهانة فهذه هى المصيبة الكبرى.

 

كما أن الحالة المادية على الناحية الأخرى وأعنى الإفراط فى الثراء، فقد تكون سببا آخر لأمراض نفسية أخرى حين تغننا عن العمل أو تفصلنا عن باقى المجتمع.

 

ـ البعض يخلط بين المرض العقلى والمرض النفسى هل هناك فوارق ملموسة بين المرضين، وماعلاقة العبقرية بالجنون وهل حقا هناك رابط بينهما ؟

 

ـ علاقة العبقرية بالجنون قول شائع والإبداع جنون تكامَلَ حتى نجح

ـ طبعا هناك فروق كثيرة فما يسمى بالجنون أو المرض العقلى هو انهيار جسيم فى الشخصية وإعاقة خطيرة على مسيرة العمل والنمو والانتاج، أما المرض النفسى فهو معاناة صعوبات عدم التكيف مع الإفراط فى استعمال حيل عقلية هروبية بشكل سلبى.

 

لكن هذا لا يعنى أن المرض النفسى أحسن من المرض العقلى على طول الخط ولا العكس فالمرض العقلى ثورة فاشلة وإبداع مجهض ويمكن للعلاج العميق أن يجعل الثورة ناجحة، وأن يكتمل الحمل بالعلاجات المكثفة العميقة.

 

أما المرض النفسى فهو معاناة تكيفية لا تحتاج إلا للتخفيف منها لمواصلة الحياة العادية.

 

أما عن علاقة العبقرية بالجنون فهذا قول شائع، وأفضل أن أتكلم عن علاقة الجنون بالإبداع، فالجنون إبداع مجهض، والإبداع جنون تكامَلَ حتى نجح أن يحقق تشكيلا جديدا من جنون عابر.

 

ـ هل يمكن القول بأن هناك سمة مرض نفسى يميز مجتمعات معينة عن غيرها ؟

 

ـ هناك سمات للشخصية أكثر من سمات أعراض مرضية معينة، لكن الاختلاف الأهم هو فى محتوى الأعراض، فالمريض العربى مثلا حين يجن يعتقد أنه ركب البراق أو أنه أصبح المهدى المنتظر، والمريض الغربى حين يجن يعتقد أنه انتقل للقمر بعد أن ساهم فى تصنيع سفينة فضائية أحدث وأسرع.

 

ـ  ملامح شخصيات الشعوب هل تبدو أكثر من خلال ابداعاتهم الفنية والأدبية أم من خلال الأداء السياسي لحكوماتهم ؟

 

ـ طبعا من خلال إبداعاتهم الفنية والأدبية، لكن هذه الإبداعات النفسية هى صدى للأداء السياسى بشكل أو بآخر، ليس بمعنى أنها تصوره أو تعبر عنه، ولكن موقفها منه هو الذى يعطيها دورا فى تشكيل الوعى العام الذى يعتبر الوعى السياسى أحد تجلياته، أداء الحكومات السياسى قد يتيح مساحة عريضة للإبداع، وأيضا هو قد يخنقه فى بعض الأوقات لمدد تطول أو تقصر.

 

ـ هل ترى أن الأديب العالم بالطب النفسى أكثر قدرة على التشريح الإجتماعى والغوص فى أعماق الشخصيات الأدبية وأحداثها عن الأديب العادى ؟

 

ـ لأ طبعا، فالاحتمال الآخر موجود بمعنى أن الأدباء المنبهرين أكثر من اللازم بعطاء التحليل النفسى “أو الطب النفسى” قد يعوقهم عن انطلاقهم للكشف الأدبى عن النفس أعمق فأعمق، وأنا أرى أن على الطبيب أن يتعلم ماهية النفس من الأدب، وقد أصدرت عدة أصدارات فى النقد بعنوان “التفسير الأدبى للنفس” ردا على الاتجاه الشائع المسمى “التفسير النفسى للأدب”.

 

ـ تعلمت الصبر من سباك و نجيب محفوظ كان شيخى و طبيبى

 

ـ من هو الدكتور ” الرخاوى ” و من هو معلمه الأول والقدوة الحسنة له ،أيضا من هو الدكتور ” الرخاوى ” طفلا و كيف تراه بعين الطبيب بداخلك ؟

ـ هو طفل مصرى من عائلة متوسطة  تنقل مع أبيه مدرس اللغة العربية حسب موقع وظيفته بين القاهرة وطنطا وزفتا مرورا بقريته فى كل شهور أجازة الصيف الطويلة، أما معلمى فأنا كنت وما زلت فى حاجة دائمة إلى أب قدوة ومرشد طول الوقت، وقد تعلمت فى الإبتدائية من قدوتى مدرس الإنجليزية المرحوم عبد الحميد أفندى فهيم، وفى المرحلة الثانوية والجامعة من أستاذى وشيخى المحقق الرائع الشاعر الأديب محمود محمد شاكر، وفى شيخوختى من شيخى وطبيبى نجيب محفوظ، وأنا أؤمن بمثلنا القائل: “اللى مالوش كبير يشترى له كبير” فكنت دائما التمس لى والدا أتعلم منه ولا أنسى أبوة “عم على السباك”، حين كنت أتجاذب معه أطراف الحديث وهو يصلح سباكة بيتى حتى بعد أن صرت مدرسا بالجامعة فتعلمت منه الحكمة والصبر وحب الناس.

 

ـ سؤال يبدو إستفزازيا ولكن فى حقيقته يحمل دلالات خاصة لعبقرية الدكتور “يحيى الرخاوى ” الإنسان بداخلك هل تراه مريضا أم سويا ؟

 

ـ أنا لى موقف من تسمية المريض مريضا، فما بالك بالبحث عن المريض داخل كل سليم منا، طبعا بداخلى طفل لو أرخيت له العنان لفضحنى بعبثه واعتماديته، فهل هناك مرض أخطر من ذاك، ثم بداخلى كل زخم أحلامى التى لا أعرفها وهى كلها مشروع تناثر لا يلمه إلى الإيقاع الحيوى وتوظيف النوم وإيقاعية الحلم للم الشمل بعد التفكيك الإيقاعى المرحلى طول الليل عبر الإيقاع الحيوى لحركية الأحلام غير المحكية عادة، وهذا ما يفسر لى دعوتنا الإسلامية عند اليقظة “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”.

 

ـ المريض العربى حين يجن يعتقد أنه المهدى المنتظر، والمريض الغربى حين يجن يعتقد أنه ساهم فى تصنيع سفينة فضائية

 

ـ مارأيكم فى كيفية حماية أبناءنا المراهقين نفسيا وأخلاقيا فيما يتعرضون له من شبكات التواصل الاجتماعى والانترنت ووسائل الإعلام ومادور المؤسسة التعليمية ؟

ـ لايوجد دور للمؤسسة  التعليمية فقد أصبح دور المعلم هو الحصول على أكبر مجموعات من الطلبة فى الدروس  الخصوصية وأصبحت المدارس مقرا للبيزنس الخاص بالمدرس ليس إلا والأمر الذى معه يجعل عملية النجاح والرسوب لايوجد بها أية عناء من جانب الطالب من حيث التحصيل والفهم الجيد فقد ” أدفع حق الدرس علشان أنجح ” فلم أنسى والد أحد الطلاب كان يتحدث معى وهو فخور بابنه المراهق ” قلت له مش خايف على ابنك بيضيع وقت كتير ومش بيذاكر كدا ممكن يسقط ” أجاب الأب باتسامة عريضة لا أنا عارف إنه حينجح دا بياخد دروس .

 

إذا لا تسأل عن دور المؤسسات التعليمية  الذى كان قديما دورا تربويا وتعليميا ،فأصبح المراهق عقله فارغ يستقبل ماتقدمه شبكات التواصل والإنترنت دون فهم وإدراك حقيقى لما تتتناوله من تأثيرات خطيرة تغفل عنهم حقيقة كيفية الاستفادة من الإنترنت مع الحماية من تلك التأثيرات و مع الغياب الفعلى لدور الأسرة الذى أصبح دورا ثانويا فى حياة أبنائهم وللأسف فى ظل انشغال وسائل الإعلام بالإزدحام ببرامج ” التوك شو ” والبرامج الترفيهية المفتعلة وغيرها من البرامج غير الهادفة أصبحت معظمها غير مؤهلة لتفعيل دورها فى تقديم الفكر والثقافة والفنون التى تربى وتنمى فى أبنائنا العقل الواعى والحس الذاتى.

 

ـ مااصعب حالة قابلها  الدكتور ” الرخاوى ” ؟

 

لاتوجد حالة بعينها فكل حالة مرت بطريقى لعلاجها أعتبرها صعبة إلى أن اصل معها إلى مرحلة الشفاء بأمر الله ، لكن توجد حالات لايمكن أن تغفلها الذاكرة ولا انساها ماحييت .

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات