خرجت في بعض المناطق السورية مظاهرات طالبت بفتح معبر رفح لكنها لم تكتفِ بالمطالبة بل حملت الشعارات المسيئة لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، وهذه المشاهد تكشف عن مفارقة صارخة فإسرائيل ليست فقط عدواً بعيداً في فلسطين، بل تحتل الجولان السوري منذ عام 1967م ، وتسيطر على جبل الشيخ على مرمى حجر من دمشق، ومع ذلك لم يخرج السوريون في مظاهرات ضد الاحتلال ، بل اختاروا أن يهاجموا القاهرة.
وكان الأجدر أن يوجّه السوريون غضبهم نحو إسرائيل التي تحتل أرضهم، أو أن يعلنوا وقفة عملية على حدود الجولان لنصرة أنفسهم ، حيث يمكن لإسرائيل أن تسمع صوتهم مباشرة ولكن بدلاً من ذلك اختاروا أن يصبّوا هتافاتهم ضد مصر، الدولة التي لم تحتل شبراً من أرضهم، بل استضافت ملايين السوريين منذ 2011م وفتحت لهم أبوابها.
ومعبر رفح ليس مجرد بوابة مصرية يمكن فتحها أو إغلاقها بقرار أحادي، بل يخضع لحسابات دولية وإسرائيلية معقدة، ومع ذلك تتحمل مصر عبئاً ثقيلاً في الوساطة وإدخال المساعدات، واستضافة اللاجئين فهل يُعقل أن تتحول الدولة التي آوت السوريين، وما زالت تحتضن عشرات الآلاف منهم إلى هدف للغضب الشعبي، بينما تُترك إسرائيل – العدو المباشر. والهجوم على مصر في مثل هذه المظاهرات لا يعكس وعياً شعبياً صافياً، بل يكشف عن توظيف سياسي ودعائي للقضية الفلسطينية، فحين يهاجم السوريون القاهرة بدلاً من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي على أرضهم، فإنهم بوعي أو بغير وعي يقدمون خدمة مجانية لتل أبيب، التي ترى العرب ينشغلون ببعضهم بدل من أن يواجهوها.
والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه: لماذا لم يتجه السوريون لنصرة غزة من جبهتهم مع إسرائيل، وهي تحتل أرضهم وتقف على حدودهم؟ أليس أولى بهم أن يواجهوا الاحتلال في الجولان قبل أن يهاجموا مصر؟ والحقيقة أن شعارات مهاجمة القاهرة تكشف عن بوصلة مشوّهة ووعي منقوص، وتناقض يسيء إلى فلسطين أكثر مما ينفعها، فمصر رغم الضغوط تبقى الرئة الوحيدة التي تتنفس منها غزة، بينما يبقى الاحتلال على حدود سوريا جاثماً بلا مقاومة حقيقية ولا حتى هتاف صادق.
