عم محمد لـ \” طبيبى الخاص \” : مزعلتش على ابنى الشهيد و زعلت على الحى الى ملوش مستقبل
عمرو يحلم ببيت يستره .. و أم سيد تحايل لقمة العيش ببيع الجبنة الفلاحى فى الطرقات
تحقيق : أميرة عبد العزيز
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلي أن مرض الاكتئاب يشكل حاليا ثان مرض في العالم يسبب العجز بعد مرض القلب، حيث يوجد الآن 140 مليون مكتئب في العالم، وسيكون هذا المرض المسبب الأول للعجز والوفاة المبكرة في عام 2030 وإذا كانت هذه النسبة عالمية فما نصيب المصريين منها ؟
وتأتى الإجابة لتوضح أن الاكتئاب فى مصر ينقسم إلى اكتئاب وراثى ناتج عن الأسرة وآخر اجتماعى ناجم عن الظروف المجتمعية التى يمر بها الإنسان فى المجتمع المصرى
أمــــــراض عصــرية تنتظر المواطن المصرى
فوارق بسيطة بين مشاعر متقاربة، يزاحم القلق مساحة التوتر ويطغى الخوف على عدم الاستقرار، ويحل المصريون جميعا رهائن لحالة عامة فى ظل حاضر وصفه المتخصصون بـ«الغامض» ومستقبل اعتبروه «مجهولا».. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، وكل سيناريو يفيض بسوءاته قبل أن نقترب منه، وكل توقع ينذر بواقع يخشاه الجميع ويحسبون له ألف حساب، المخاوف تتزايد بتكهنات العقلاء نحو المستقبل، منهم من يحذر من انتشار الفوضى، ومنهم من يؤكد أن الغموض سيد الموقف، فى ظل حاضر ضاعت ملامحه، ولم يعد أحد يمتلك القدرة على فهم ما يدور وسط قرارات وقوانين وسياسات مبهمة، حسب وصف أساتذة علم النفس، فهو الطريق المظلم الذى يعيشه المصريون دون شك، يخشى الجميع النظر للمستقبل لأنهم لا يملكون واقعا ولم يعد بإمكانهم القدرة على \”الحلم \”
لو عايش فى مصر وماعندكش إكتئاب روح اتعالج
كلمات تأتى على لسان عم محمد ذ كى أو أبو شريف كما طلب منى ان ألقبه فتحدث وملامح الزمن ترسم ثناياها على وجهه \” انا يابنتى عندى خمسة اولاد ودلوقتى أربعة لان فى واحد فيهم مات فى الثورة ومازعلتش رغم ان أمه كانت بتندب ليل ونهار واحتسبته شهيد عند الله وكنت بفتخر كل ماحد يشوفنى ويقولى يابو الشهيد \” ويقطع حديثه للحظة ليخرج من جاكيت يرتديه قد ظهر عليه القدم صورة لشاب ترى فى عينيه لمعة وكأنه يريد أن ينطق ليوثق حديث أبيه ولم أستغرق كثيرا فى رؤيتى للصورة لأجد دموع تسرى بين ثنايا وجه الأب ونظر إلى وهو يحاول بين رنين صوته الذى تخنقه الدموع أن يبتسم \” على فكرة دا مش زعل عليه والله دى فرحة انا ببكى على الحى اتنين من ولادى ظروفهم ضيقة جدا وماعنديش حاجة اقدمها ليهم وكنت نازل الشارع اشتغل حتى ولو عامل عشان اقدر اساعدهم الحياة بقت صعبة وكمان عندى بنتين على وش جواز وبموت كل يوم وانا مش قادر اجهزهم اعمل ايه لكن بردوا بقول يارب انا مش عايز اعيش فى الحياة مابقتش تفرق انا خلاص كبرت وبعد موت زوجتى وابنى خلاص مستنى محطتى عشان انزل \” .
ومن عم محمد إلى عمرو الشاب الذى كان يقف فى إنتظار الأتوبيس وكأنه تمثال من الصمت وبخطوات هادئة بدأت الحديث معه بكلمات للتعارف فقال \” أنا إسمى عمرو ش.د واتخرجت فى كلية الحقوق من سبع سنوات واشتغلت فى تسعة أماكن حتى الآن وبإبتسامة ساخرة شكلى حكملهم عشرة ونظرة لدبلة تسكن فى خنصره فى اليد اليمنى دى أحد أسباب سعادتى فى الحياة ولكن الإكتئاب ملازمنى أنا بشتغل شغلانتين يدوب وقت قليل وهى كمان بتشتغل ومفيش وقت إننا نتقابل غير يوم الجمعة ونادرا ، والله يااستاذة انا احلامى بسيطة عايز ربنا يتمملنا بخير وأستقر فى الشغل ويبقى لينا بيت .. إدعيلنا \” .
بهذه الكلمات البسيطة التى ألقاها عمرو على مسامعى وإبتسامة تغمر عينيه لتخفى ملامح الخوف من الغد ذهب ليلحق بالأتوبيس .
و على الطريق وفى إحدى شوارع مصر التى تعج بالبشر مابين ذاهب إلى العمل أو الدراسة وغيرها ، أرى هذا الوجه المبتسم سيدة صارت على وجهها علامات الدهر لتثقل هذه الملامح بمعاناة وخبرات للحياة كانت تجلس بالقرب من احدى العمارات السكنية فى هذه المنطقة القديمة لتفترش الأرض وتحمل بعض من الجبن القريش والزبدة الفلاحى وغيرها من تلك الخيرات التى نفتقدها نحن اهل المدينة ، لتطل على وجهى بإبتسامة طيبة قائلة \” جبنة ولا زبادى ياعسل \” فترددت كثيرا قبل ان أجلس إليها وأقول \” عايزة أتكلم معاكى ياحاجة انا صحفية \” ولم يأت الرد كما كنت أتوقع أطلقت ضحكة ضعيفة لتقولى \” أنا هو .. أنا بقيت مهمة عند الحكومة \” ولم تتركنى أسأل و بادرتنى قائلة \” أنا يابنتى أصلى فلاحة واتجوزت وعندى عقبالك 8 أولاد وترفع يدها للسماء قائلة الحمد لله ربنا قدرنى وسترتهم فى بيوتهم فاضل واحد خاطب وقرب يتجوز وانا من زمان فى الشغلانة دى كنت بيبع الجبنة والزبدة وكان كل همى ألاقى مكان محدش يمشينى منه والحمد لله لقيت المطرح دا ،وعايزه الستر لكن انا الحياة خلاص مابقيتش تهمنى وطالبة قبل ما أموت أستر ابنى وكفاية الدنيا مبقلهاش طعم وعجبا \” .
بهذه الكلمات الأخيرة لأم سيد كما كان يناديها أهل هذا الشارع علمت أن هذا المرض الذى لم يكن السبب الأساسى هو المادة وإن كان اللهث ورائها احدى الأسباب ومكابدة العيش والكبوات السياسية وغيرها من ثوابت الإكتئاب العصرى
رأى الطــــب النفســــى
يرى د.سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، حالة الترقب والقلق والخوف التى يعيشها المصريون و الأمراض النفسية التى قد تصيب الكثيرين ممن يعيشون حالة الخوف والقلق المتزايد موضحا أنه لا يمكن أن تفكر فى المستقبل إلا إذا كان الحاضر قويا وآمنا يؤهلك للتفكير فى الغد ،والواقع الحالى بكل ما فيه من توترات وأحداث متلاحقة ومستقبل مجهول ينذر بإصابة البعض بخوف مرضى وقلق مرضى يتسببان فى حالة رعب من كل ما يحدث له أو ينتظره، خاصة لو كان ذلك الشعور جماعيا مثلما هو حالنا مؤخرا، الجميع قلق بشأن مستقبله، بالإضافة إلى ما يعرف بأمراض «الجسدنة» والمعروفة بحالة من اللارغبة فى بذل مجهود تجاه أى نشاط يمارسه الإنسان، نتيجة لشعوره بأن جسده هامد وغير قادر على عمل أى شىء .
بينما يرى الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى فى كلية الطب بجامعة الزقازيق، أن غياب الحقائق وتعمد وسائل الإعلام التركيز على الصور السيئة المحيطة بنا دون التركيز على الجوانب المضيئة من مبادرات إيجابية أو نشاطات جيدة يقوم بها الكثيرون من حولنا يسهم فى زيادة مشاعر القلق ،وقال: لكن وسائل الإعلام تتعمد تخويف المواطنين ويتبارزون ويتنافسون فى التخويف، بصورة جعلت الكثيرين يشعرون بالخوف الشديد الذى ينتج عنه حالة من الإحباط أو العنف غير المبرر، بالإضافة إلى انعدام الفاعلية وانعدام الإنجاز والتوقف عن العطاء والعمل، والشعور بالاكتئاب، وقد يزداد الأمر بتنامى شعور آخر فى الرغبة فى الهروب.