بقلم : خلود رسلان
أغادر البرتغال بعد زيارة عمل لعدة أيام.. كانت المرة الأولى التي أزور فيها هذا البلد الرائع الذي كان غائبا بشكل دائم عن جداول العمل الدبلوماسية والاقتصادية التي تتطلب منا زيارة البلدان الأوروبية، لشبونة ليست بروكسل أو باريس أو برلين أو جنيف ولا حتى مدريد ولكنها تسير على طريق موازي اقتصاديا ..
فعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية الكبرى التي ضربت البرتغال بعد الأزمة العالمية عام 2008 استطاع السياسيون في لشبونة اغتنام كل فرصة اقتصادية اتيحت لهم من أجل تحسين الاقتصاد البرتغالي، وإن كانت النتائج لا تبدو كبيرة على المدى القريب فإنها ستكون ذات تأثير مهم جدا على المدى البعيد ..
لشبونة لم تدخل خطر الانهيار تحت طائلة الديون كما حدث لروما ومدريد وأثينا، ولا يعتبر الاقتصاد البرتغالي من الاقتصادات الكبرى في دول الجنوب الأوروبي كما فرنسا واسبانيا وايطاليا ولكنه لا يزال يحقق نتائج أفضل من الدول الثلاث مع مراعاة النسبة والتناسب في الناتج المحلي وعدد السكان وحجم الاقتصاد الكلي ..
اليوم تسير البرتغال على نفس الطريق في اغتنام الفرص بما يتعلق بجذب الشركات الأوروبية التي ستنقل جزء من استثماراتها من الصين بناء على الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي بالحفاظ على انسيابية سلاسل التوريد وعدم تأثرها بالأزمات والأوبئة كما حدث في جائحة كورونا ..
ما لفتني في أثناء الاجتماعات الرسمية هي تلك العبارات المعلقة على سور وأبواب المباني الحكومية و البرلمان البرتغالي والتي تنتقد في معظمها الحكومة والمسؤولين السياسيين بل وتشتمهم في بعض الأحيان، سألت أحد هؤلاء المسؤولين ماذا تشعر وأنت تدخل الى مكتبك كل صباح وتمر على تلك العبارات التي تنتقدكم بأقسى العبارات.. قال لي بأن معظمنا يجعلها حافز للعمل بإيجابية أكبر حتى تتحول تلك العبارات المنتقدة الى عبارات شكر يوما ما …
وهذا ما أعتقد بأنه ينقص السياسيين في بلدان العالم العربي التي تمر في أزمات سياسية واقتصادية، أن يعملوا حتى تتحول عبارات وهتافات الانتقاد الى عبارات وهتافات شكر يوما ما.. الشعوب العربية ليس لديها مشاكل شخصية مع أي شخصية سياسية فهي لا تحب ولا تكره وفق الأشخاص والدافع العاطفي والديني والعرقي، وإن حدث هذا بشكل مؤقت فإنه سينتهي بشكل سريع كما حدث في الانتخابات المغربية الأخيرة ..
الشعوب تنظر الى العمل و النتائج ولا تنظر الى الشعارات العاطفية، فالجيل الجديد يختلف كثيرا عن الأجيال التي كانت تُقاد وتموت من أجل شعارات طائفية ومذهبية وعرقية فارغة ..