ربّما…
لم يَخِبْ يومًا رأيي في النّاس. ربّما هكذا ظننتُ مدّعيًا \”جَوْدة\” الانطباعِ بعيدًا من الرِّيبة. تبدّلتْ أحوالُ النّاسِ وأطباعُهم وما تبدّلت \”جَوْدة\” انطباعي. اليومَ أجدُها (تلك الجَوْدة) تذبلُ مع ذبولِ الفِكْر والخُلُق (بينهما صلةٌ عضويّةٌ صريحة). ربّما لم يتبدّلوا هم بل ظروفُ البلادِ بدّلتهم. ربّما هو ثمنُ العيشِ هنا بل ثمنُ القَدَرِ هنا.
أقولُ ما أقولُ وفي نفسي قناعةٌ بأنّ ما أقولُ قد يبدو لكثيرين أقربَ إلى اللّغو. وكي ينتفيَ كلامي من هذه \”التُّهمة\” أعتصِمُ بمثالٍ بسيط: هو مُعِدُّ برنامجٍ جميلٍ و\”غنيٍّ\” في قناةٍ محلّيّة \”رائدة\”، حجزَ مكانًا ومكانةً في بيوتِ اللبنانيّين. مشبَعةٌ يراعتُه \”العامّيّةُ\” بحلاوةِ الأسلوبِ وسلاستِه. ينسجُ عباراتِه خيرَ نسجٍ من دون حشو أو إطناب. نادرًا ما أستسيغُ قلمًا يتسلّحُ بالعاميّة روحًا وأسْلَبةً، ومع ذلك استَسَغْتُه وما بخلتُ بالتّعبيرِ عن ذلك لصديقٍ يعرفُه خيرَ معرفة. حينها، حتّى صديقي فوجئ قائلًا: \”حتّى يعجبك قلم يعني قلم\”. اليومَ إمّا فِكْرُ الرَّجلِ تبدّل وإمّا ظروفُ البلدِ بدّلته. قد يسألُ سائلٌ: ما علاقةُ فِكَرِه وتعبيرِه عن سخطِه بحلاوةِ أسلوبِه ومِدادِه؟ أعودُ إلى القوسَيْن في متنِ هذا النصّ: بينهما صلةٌ عضويّة. ربّما لا أصيبُ بانطباعي هذا ولكنّ الأكيدَ أنّني ما لمحتُ يومًا تسطيحًا في أسلوبِه الكتابيّ وحتّى التّعبيريّ كما أفعلُ اليوم. ما وقعتُ على تسذيجٍ فكريٍّ كذاك الّذي أقعُ عليه اليومَ في كتاباتِه. اختلَفَ شيءٌ ما. حتّى عامّيتُه باتت مبتذَلة، و\”ثقيلة\”، وغريبة، ومائعة، وواهنة، وباهتة، وخاوية؛ يعوزُها كثيرٌ من \”الأناقة\” الّتي يعكسُها قلمُه وشخصُه. نعم فيها كثيرٌ من النّقمةِ المسوَّغةِ لكن بأسلوبٍ تنميطيٍّ غريب.
ربّما يجدُ نفسَه أخيرًا في الأسلوبِ \”التهكُّمي\” في بلدِ \”الساركازم\”. ربّما يحقُّ لأناقةِ الأسلوبِ أن تَسقطَ في زمنِ سقوطِ بَدَهيّات العيش. ربّما هو المحقّ وأنا المُغالي الظّالم في حُكمي. ربّما أنا المِرِّيخيّ وهو الأرضيّ. لا أعلم. ربّما هو لم يعُدْ هو وأنا لم أعُدْ أجدُه هو أو لم أعُد أجدُني أنا. ربّما هي تلك الـ \”ربّما\” الّتي تتنفّسُها أجسادُنا ونصوصُنا. ربّما هي تلك الـ \”ربّما\” التي تحكمُنا ونحتكمُ إليها. ربّما هي مجرّدُ ربّما واحدة في بلدِ \”الرُّبَّموات\”!