أدرك محمود للوهلة الأولى له فى الحياة أنه يرى من حوله بشكل مختلف، خيالات تتحرك يمكن لها أن تتجمد لحظة فى ذاكرته و تحفر خيوطا متداخلة لها تعبير خاص حتى يأتى وقت تخرج فيه و تتجسد على الورق بنفس صورتها الأولى و كأن اللحظة التى تجمدت بشخص ما فى الزمن الأول تجددت فيها الحياة مرة أخرى و لكن فى زمن آخر و كأن نبض الروح فيها مازال يتنفس .. !
محمود صلاح تهامىشاب من أبناء الشرقية مركز منيا القمح مثله مثل كل الفتيان بقرية سنهوت يخرج للزراعات يسعى فيها بفتوته بعضهم يغرس فى الأرض حياة جديدة لنبات سرعان ما تتفتح زهرته و بعضهم مازال فى الدراسة و يخرج للقاء رفاقه و السمر مع ضوء القمر و لكن محمود تأخذه النداهة فيتنحى جانبا بأوراقه يمارس جنونه كما هم يطلقون عليه و ينتظرون عودته دون أن يهتكوا ستر جنونه فهم يعرفون أنه غارق فى خيوطه حتتى تنبض روحا تشى بملامح أحدهم أو لوحة لمنظر طبيعى من سحر الواقع حولهم فيلتف الرفاق حوله و يهتفون له الموهوب بيننا .. !
كان محمود قد تجاوز منتصف عقده الثالث من العمر و تخرج فى كلية التجارة جامعة الزقازيق و انتظر أن يبدأ حياته العملية بعمل منتظم يغنيه هم التعايش و يتفرغ معه لفنه الذى تنامت موهبته مع تقدم العمر به و اشتهر فى قريته و فى المدينة أيضا برسوماته التى تنطق حياة بأصحابها حتى لو كانوا من بطون التاريخ القديم أو الحديث أو حتى أناس يعيشون الآن و من بين هؤلاء البشر يجد من يرى فى فنه قيمة و يطلب شراءه ما توفر معه هم العيش و لكن أحلام الموهوب لا تتوقف فهو يقرأ و يدرس و يرسم و تحلق روحه مع النداهة تأخذه حتى من نفسه و يعود لمرسمه بإبداع جديد يأخذ مكانه فى معرض مفتوح بالقرية لفنان مختلف مازال الطريق يمتد به نحو نجومية كان يحلم بها طفلا و سعى إليها فتى و أشرق نهارها مع انتشار لوحاته بين الناس .