عشق فن النحت على النحاس و حلم أن يصبح فى يوم من الأيام مثل عظماء النحت الرومانيين و رغم مشقة الطريق و كثرة العقبات فيه لم يساور ابن العصافرة بحرى الشك فى أنه سوف يحقق حلمه و يتردد اسمه كفنان عالمى حيث شارك فى معارض دولية لفن الرسم على النحاس و حقق نجاحات كبيرة و يحلم بمشروع عظيم يجسد فيه تاريخ مصر عندما تتاح له الفرصة أن يبطن جدران مدخل المتحف الكبير بالنحاس المضغوط المقبب مثل مداخل المتاحف الرومانية و يحكى بالنحاس المرسوم حضارة مصر عبر التاريخ .
يقول عمر محمود السيد النجار فنان النحاس المقبب الشهير بالإسكندرية : بداية حكايتى مع فن الرسم على النحاس المقبب عندما كنت فى سن السابعة حيث ذهبت فى رحلة إلى قصر ثقافة الحرية فى محافظة الإسكندرية وعندما دخلت القصر تعلقت عينى وجوارحى بحوائط غرف القصر التى كانت مجلدة بألواح النحاس المنقوش وكل رسمة بارزة كانت تخطف شيئا بداخلى ودخلت المرسم وتابعنى مدرس الرسم بالقصر الأستاذ أحمد عبد الجواد طيب الله ثراه عندما راقب عينى وهى تنظر باستمرار إلى النحاس وسألنى إن كنت أعرف هذا الفن فقلت له لا فعرفنى بفن النحاس المقبب صنعة أمهر صناع من اليونان و إيطاليا و الأرمن الذين جلبهم محمد على لبناء مصر الحديثة و قال لى إن كنت أحب أن أتعلم هذا الفن فأجبته و كلى سعادة وبدأ أستاذى يشترى لى قطع صغيرة من النحاس والألومنيوم وصنع أدوات بسيطة بيده وبدأ يشتغل أمامى وأنا أنظر إليه وأحلم بما يدور بداخلى وفى اليوم التالى وضع قطعة النحاس وركب عليها التصميم ثم ذهب للقاء مدير القصر وعندما عاد وجدنى رسمت النحاس وقمت بتقبيبه فجاءت له نوبة من الصرع فرحا وهاج وماج و تساءل من فعل هذا ؟
فقلت أنا فوضع قطعة أخرى ثم قال لى ارسم مثلها فرسمتها فقال لى سوف أذهب بك الآن لفنان يونانى محترف يقيم فى منطقة العطارين كان يدرس لنا فى الكلية وكان صاحب محل بقالة وقال له المدرس أنا \”جايبلك نبغة صغيرة علشان تخليه زيك محترف\” فاعترض الرجل فى بداية الأمر حتى شاهد ما صنعته بيدى وفعلا بدأ فى تعليمى بطريقة مختلفة وكان هذا الفنان اليونانى و اسمه أنطوان خانجى آخر المصنعين المهرة فى الرسم البارز على النحاس واستمر التدريب معه خمس سنوات حتى توفاه الله فكان يشترى النحاس على نفقته الخاصة وكان يغلق محل البقالة ويأخذنى معة إلى تجار بيع النحاس لكى أتعلم الشراء وكيف أعرف من شغل النحاس إذا كان به شوائب أو نقى وبدأت من بعده أشتغل حتى أستطيع أن أشترى النحاس و اشتركت فى هذا الوقت فى نادى الاتحاد السكندرى لكرة السلة أيام كابتن مدحت وردة وعمرو أبو الخير وتفوقت فى هذه اللعبة حتى انى كنت مرشحا لمنتخب مصر للناشئين إلا أنى لم أستمر فى هذه اللعبة لعشقى لفن النحاس و بدأت الحياة العملية واشتغلت فى عمل ثابت ليكون لى دخل وكنت بحكم عملى أسافر بعثات مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا والسعودية والبحرين والإمارات وسوريا وكنت أذهب فى كل بلد أبحث عن فنانى الرسم على النحاس و كنت أتعجب لحالى لأنى لم أجد شغل مثل شغلى من حيث الحجم والدقة وحينها تذكرت آخر كلمات معلمى الفاضل طيب الله ثراه الذى قال لى سيأتى لك يوم تكون فيه المصنف رقم واحد فى العالم وسيأتي يوم ستذكر كلماتى هذه وكنت أعمل فى صمت حتى أقدمت على التفرغ لفنى و أخذت فى أحضانى معشوقى النحاس وقبلته ووعدته ألا أتركه مرة أخرى إلا إذا قضى الله أمرى و أقسم لك سمعت أنين النحاس بين يدى وبدأت أظهر أعمالى بخطة قد رسمتها لنفسى أن أدخل بشغلى تدريجيا حتى لا يتفاجأ الناس وخاصة المحيطين بى و بدأت الاشتراك فى أكبر معارض فى الخارج و فى مصر حيث كان آخر معرض لى أجندة فى مكتبة الإسكندرية و أبهرت فيه السياح وكبار الفنانين بلوحة ضخمة من النحاس الأبيض لمصر القديمة وقتها جاء من القاهرة نقاد كانوا يتساءلون كيف أنى صنعت لوحة مقببة بهذا الحجم وكيف نعمت النحاس بهذه الدقة حينها رفعت يدى إلى السماء أدعو بالرحمة للرجل الذى علمنى .
تلك كانت تجربتى باختصار شديد و كل ما أحلم به الآن أن أصنع بيدى لوحة مقببة من النحاس أسجل عليها تاريخ و حضارة وطنى مصر على حوائط المتحف المصرى الكبير و لعل الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار و الآثار يمنحنى الفرصة لأقوم بأعظم عمل فنى من النحاس المقبب بمدخل المتحف بأن أجلد جدارا كاملا أحكى فيه بالرسم على النحاس تاريخ مصر الفرعونى و جدارا آخر أحكى فيه تاريخ مصر الفاطمى والعباسى وبانوراما أكتوبر .