الأربعاء, ديسمبر 17, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةرأىالفيسبوك بين وهج الشاشة ووحشة الروح| حين يتحول التواصل إلى عزلة

الفيسبوك بين وهج الشاشة ووحشة الروح| حين يتحول التواصل إلى عزلة

بقلم: محمد حسين زغلة

في زمنٍ الفيسبوك تتسارع فيه النبضات الرقمية، وتتشابك الأرواح خلف شاشاتٍ باردة، لم يعد التواصل مجرد كلماتٍ تُكتب، بل أصبح عالمًا موازِيًا نلوذ إليه هربًا من الواقع، أو بحثًا عن اعترافٍ مؤجَّل بذواتنا. بين تمريرة إصبع وإعجابٍ عابر، تتبدل الأمزجة، وتُستنزف المشاعر، ويغدو الإنسان أسيرًا لعالمٍ افتراضي يظنه ملاذًا، وهو في حقيقته مرآةٌ كاشفة لوحدته وقلقه. ومن هنا تنبع الحكاية؛ حكاية الناس والفيس، حيث تختلط الرغبة في التواصل بتيه الروح، ويصبح السؤال أكبر من مجرد تصفح عابر: هل قرّبنا هذا العالم من أنفسنا حقًّا، أم باعد بيننا وبين ذواتنا أكثر مما نتخيّل؟

 

هناك أشخاص من روّاد صفحات التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر وغيرها من المواقع، أصبحوا في أغلب الأحيان مدمنين عليها بصورة خطيرة للغاية.
ففي وقتنا الحاضر، بات تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي ذا تأثير كبير على أمزجتنا، يفوق بكثير ما نتوقعه، إذ يعاني أغلب مستخدمي الفيسبوك من فقدان الثقة بأنفسهم، ومن ضعف الرضا عن حياتهم، كما يشعرون بالوحدة، ويواجهون بعض المتاعب في علاقاتهم الاجتماعية. ونظرًا إلى كل هذه الإشكاليات، كان لزامًا عليّ أن أطرح سؤالًا مهمًا: لماذا يجد كثيرون صعوبة بالغة في التوقف عن تصفح الفيسبوك، وهي صعوبة قد تضاهي في حدّتها صعوبة الإقلاع عن التدخين؟

في هذا السياق، قام باحثان من إحدى الجامعات الأسترالية بدراسة هذه الظاهرة، وتوصلا إلى نتيجة بسيطة لكنها مقنعة، تتمثل في شعورنا السيئ الناتج عن توقّع الشيء الذي يمنحنا المتعة. وقد تمثلت التجربة في إجراء مسح بسيط، جُنِّدت له ثلاث مجموعات: كانت مهمة المجموعة الأولى اللعب على الفيسبوك، أما المجموعة الثانية فاقتصر دورها على تصفح مواقع الإنترنت المختلفة، في حين تمثلت مهمة المجموعة الثالثة في مجرد ملاحظة ما ينشره الآخرون. وقد انصبّ التركيز في الملاحظة بشكل خاص على الحالة المزاجية للمشاركين، وعلى المغزى الذي يخرجون به من عملية التصفح.

وأظهرت نتائج هذه التجربة، في حقيقة الأمر، ليس فقط التأثير السلبي للفيسبوك على مزاج المشاركين، بل كذلك إحساسهم بضياع الوقت في أمور تافهة لا معنى لها ولا جدوى منها.

إن الأفراد يجهلون، في كثير من الأحيان، ما الذي يمنحهم الشعور الحقيقي بالسعادة في مختلف مجالات حياتهم، ومن ثمّ فإن احتمال الوقوع في مثل هذه الأخطاء، فيما يتعلق باستخدام موقع الفيسبوك، يظل واردًا جدًا. فمن جهة، يعتمد هذا الموقع على أساسيات فطرية لدينا، بوصفه وسيلة تواصل، والاتصال سمة مميزة للإنسان، غير أن هذا النوع من التواصل هو في الحقيقة أصل المشكلة؛ إذ إن الاكتفاء بمشاهدة صور الأصدقاء، وقراءة تعليقاتهم، والاطلاع على قصصهم، هو ما يؤثر سلبًا في مزاجنا، ويقودنا تدريجيًا إلى الشعور بالاكتئاب.

وبناءً على ذلك، أُهمس في آذان بعض مدمني نشر المنشورات على صفحات الفيسبوك، ممن يظنون أنها تعبّر عما يجيش في صدورهم وقلوبهم المغلقة، وعقولهم الرافضة لمعرفة الحقيقة وسوء نواياهم، فأقول لهم: أنتم في وادٍ، والغاية الحقيقية من نشر تلك المنشورات في وادٍ آخر؛ إذ إن ما تنشرونه أو تقولونه على صفحاتكم الخاصة لا يعني بالضرورة ما تظنون أنه يعبر عنكم أو يحقق الهدف المنشود.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات