دائما أجمل الأضداد في رحلة التوحّد هى الحب غير المشروط

في هذا اليوم الذي يضيء فيه العالم شمعة تقدير لأصحاب الهمم، أجدني أعود إلى قلبي لأقرأ حكايتي كما لو كانت مكتوبة على دفتي الروح لا الورق. لم تعد حياتي مجرد حياة تخصّني وحدي؛ لقد أصبحت رحلة مشتركة، تقود خطاها معجزة صغيرة جاءت في هيئة ابن… ابن يحمل سرًّا لا يشبه أحدًا، سرّ الجمال الذي يُخلق من الاختلاف، ويُزهر رغم العواصف، ويعلّمني كل يوم أن الله يخبئ في أصعب الأقدار أرقّ الهدايا.
لو خُيّرت في أمنية واحدة تعصمني من قسوة الدنيا، لتمنيت أن تكون الحياة شديدة في كل امتحاناتها… إلا عليه. لأن ابني، رغم أنه أجمل هدية ساقتها الأقدار إليّ، هو أيضًا الامتحان الذي اختبر فيه صبري، وحِلمي، وقوة احتمالي. هو أحد تلك الأقدار التي تعانقك بقسوة وحنان في آن واحد، فيربّتان على كتفيك ويُثقلان ظهرك معًا.
ابني… هو تجسيد نادر لمعنى التناقض الجميل:
هو القوة التي تدفعني لصدّ العالم كله، والضعف الذي تذوب عنده صلابتي كطفلة صغيرة.
هو ضحكتي الصافية التي تشق التعب نصفين، وهو دمعة حارقة أحبسها حين يوجعه شيء لا يعرف كيف يشرحه.
هو مرساة ثباتي التي أركن إليها، لكنه اللحظة الوحيدة التي إن اضطربت، اضطرب العالم كلّه في عيني.
لقد اخترنا القدر لنخوض طريقًا لا يكتفي بظلّ التوحّد، بل أضاف إليه تشخيصات أخرى جعلت الطريق أكثر وعورة… وأكثر إنسانية. وكل صعوبة واجهناها كانت تحمل في جوفها درسًا خفيًا:
زادتنا قلقًا على الغد… لكنها فتحت لنا أبوابًا واسعة من رحمة الله.
أنبتت في القلب وجعًا… لكنها جعلتنا أكثر رأفة بكل مختلف وضعيف.
حمّلتنا مسؤوليات تفوق طاقة البشر… لكنها منحتنا حكمة لم نكن نظن أننا نملكها.
أخافتنا من المجهول… لكنها غرست في أرواحنا صبرًا يشبه نهرًا لا ينضب.
يا ابني… يا أجمل الأضداد،
أنت ضعفي الذي يعلّمني معنى الإنسانية، وقوتي التي تعلّمني معنى الأمومة.
معك يبدأ كل صباح كأنه ولادة جديدة، أحملها بإيمان لا يتعب، وأستقبلها بأمل يعرف كيف يقف بعد كل سقوط.
في هذا اليوم، أقولها بثبات الأم التي جرّبت الانكسار وعرفت النهوض:
رحلتنا مع التوحّد ليست مجرد معركة، بل قصيدة حب تُكتب على مهل، سطرًا بسطر، ونبضة بنبضة.. قصيدة تُعلّم العالم أن الجمال الحقيقي ينبت حين نتقبل كل الأضداد… ونحبها كما هي.
فلتكن هذه المناسبة تذكيرًا بأن الاختلاف ليس عبئًا، بل هدية. وبأن كل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ليس “مسؤولية” فحسب، بل معجزة تمشي على الأرض، وتعيد ترتيب قلوبنا بلمسة واحدة.
ابني… يا أعظم قدر،
أنت نبضي وملاذي،
أنت ضعفي الذي يحميني،
وأنت… أجمل الأضداد.



