الإثنين, ديسمبر 1, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةالمرأة و الطفلأرزاق المشنب تكتب| الأمثال الشعبية مفاهيم زمنٍ مضى (لما قالوا بنية قلت...

أرزاق المشنب تكتب| الأمثال الشعبية مفاهيم زمنٍ مضى (لما قالوا بنية قلت ليلة هنيّة)

في الريف المصري، وعلى ضفاف الحكايات التي تحملها اللهجات تعيش الأمثال القديمة وورثتها الأجيال كأنها جزء من ذاكرة الطين ورائحة الحقول. أمثال تتنفس من مفاهيم زمنٍ مضى، حين كان الناس يرون في المواليد وجوهًا للرزق والراحة، فينسجون حولهم كلماتٍ تحمل حكمةً وشيئًا من العاطفة والدهشة.

ومن بين تلك الأمثال ما يفضّل المولودة الأنثى في بعض الجوانب، لا لانتقاص من قدر الذكر، بل لأن البنت كانت – في نظرهم – ظلالاً باردة في بيتٍ حار، ويدًا صغيرة تمسح عن الأم تعب الأيام.

يقولون في المثل:

«لما قالوا بنية قلت ليلة هنيّة»
ثم يفيضون بالوصف:
«تكنسلي وترش لي وتملا لي البيت مية»

كلمات تكشف كيف رأوا في البنت روحًا خفيفة تدخل البيت، تملؤه نشاطًا وبهجة. تكنس فناءه، وترش الأرض بالماء كما كانت تفعل نساء الريف قديمًا، وتملأ القلال والبلاص من النيل، فتحمل إلى أهلها ماء الحياة كما تحمل إليهم ألف معنى للسكينة.
وهكذا أصبحت البنت – في المعتقد الشعبي – مصدر مؤانسة وراحة، وركنًا من أركان البيت الهادئ.

ثم يأتي الوجه الآخر من المثل، حين قالوا:

«لما قالوا غلام قلت ليلة ظلام»
ثم يضيفون:
«أكبر وأسمنه وتاخده مني النسوان»

فالولد في نظرهم رحلة طويلة من الرعاية والمشقة، يكبر ويشتد عوده، ثم تغلبه الأيام، فتأخذه زوجته ليبدأ حياته الجديدة بعيدًا عن بيت أمه. فكأن الأم – في تصوير المثل – تبذل الجهد، ثم تستيقظ يومًا لتجد أن ابنها قد صار لغيرها.

ولم تقف الأمثال عند هذا الحد؛ ففي الريف المصري، خاصة في الفيوم، تُروى حكمة أخرى على لسان الأمهات، تقول فيها “أم جمعة”:

«متفرحيش يا أم الولد… بكرة البنت تاخده، تسكنه بحري البلد، وتحرمِك بتاوته»

ومعنى “بتاوته” نوع من أنواع العيش الذي كانت الأمهات يعدّنه بحب ورضا.
هنا يخبر المثل أن البنت حين تتزوج تميل إلى السكن بجوار أهلها لحاجتها إلى أمها في الحمل والولادة، بينما ينتقل الابن ليسكن حيث تختار زوجته، فيُحرم بيت الأم من خيره ووجوده.

ويتطابق هذا المعنى مع مثل آخر مشهور:

«يا هناها ال تجيب بناتها قبل صبيانها»
أو بصيغة أخرى:
«ال يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها»

فالبنت – في المرويات الشعبية – عونٌ لأمها في تنظيف بيتها، وغسل ملابسها، وحمل بعض من تعبها عنها. ولهذا كانت كثير من الأسر تتفاءل بإنجاب البنات، ويقولون: «البنت رزق… وربنا يرزق أهلها برزق بناتها».

وهكذا يكشف التراث الشعبي عن رؤية مجتمعٍ كان يرى في البنات بركة وراحة، وفي الأولاد سندًا يمتد لكنه يبتعد. رؤية لا تعبّر بالضرورة عن الواقع الحديث الذي يدرك أن الابن والابنة معًا هما نوران في بيت واحد، لكنّها – رغم ذلك – تظل صفحة صادقة من سجل الحياة القديمة، تحفظها الذاكرة كما يحفظ الريف نسماته الأولى.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات