توقفت عند تصريح للدكتور رضا عبد السلام أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد والمالية بجامعة المنصورة ومحافظ الشرقية السابق حينما تحدث عن الفترة التى شغلت فيها ميرفت التلاوى منصب وزيرة التأمينات وكانت الصدمة عندما اتخذت الحكومة قرار الخصخصة فى ظل حكومة عاطف عبيد وكان د. يوسف بطرس غالى آنذاك وزيرا للمالية والذى كان يخطط لأخذ أموال التأمينات وضخها فى البورصة بدون وجه حق لتغطية عجز الموازنة فى تلك الفترة التى تسببت فيها القرارات الحكومية.
وقد صرحت ميرفت التلاوى فى إحدى البرامج التلفزيونية بأن وزارة التأمينات فى ذلك الوقت كانت تمتلك ربع الأسهم فى شركة الاتصالات قبل خصخصتها وأيضا ربع الأسهم فى كلا من شركة الدخيلة ومجمع الألومنيوم فى قنا ولكنها كانت ترغب فى رفع حصة الأسهم فى شركة الاتصالات إلى ثلاثة أرباع مما سوف يدر عائد مادى كبير يستطيع من خلاله صاحب المعاش أن يتقاضى أكثر مما كان عليه أثناء الخدمة . ولكن الحكومة تقدمت باقتراح لإرساء هذه الصفقة على القطاع الخاص، وكانت التلاوى عضوا فى لجنة الخصخصة ويحق لها التصويت وسألتهم عن المبلغ الذى تقدمت به الشركة الخاصة لشراء ثلاثة أرباع أسهم شركة الاتصالات فكان الجواب هو ١.٧ مليار جنيه فاقترحت على لجنة الخصخصة أن تدفع ٢ مليار جنيه من أموال المعاشات بزيادة ٣٠٠ مليون جنيه من أجل الفوز بهذه الأسهم لصالح المعاشات لأن الاستثمار فى هذه الشركة كان مضمون وسيرفع من مستوى معيشة الفرد بعد بلوغ سن المعاش إلا أن لجنة الخصخصة تآمرت عليها وتم الاستغناء عن ميرفت التلاوى من أجل إرساء العطاء على الشركة الخاصة وحرمان أصحاب المعاشات من هذه الصفقة التى لو تمت لكان أصحاب المعاشات فى غنى عمن هم يعانون منه الآن. وهذا يثبت مدى سوء النية المبيت فى تلك الفترة للتآمر على أصحاب المعاشات وبالطبع كل من تآمر كان له مصلحة شخصية من وراء هذه الصفقة .
لم تكتف الحكومة بذلك وإنما استولت عن طريق د. يوسف بطرس غالى وزير المالية فى ذلك الوقت على أموال المعاشات لضخها فى البورصة بدون وجه حق مما يؤكد أن مصر فى تلك الفترة كانت تدار بنظام لم يحترم القوانين ويعطى لنفسه أحقية الاستيلاء على أموال ليس من حقه العبث بها لأنها أموال تم تحصيلها من الموظف طوال مدة خدمته لكى يحصل على معاش يكفيه عند بلوغ سن المعاش . ولو أخذنا نموذج لاستثمار أموال المعاشات فى اليابان ١.٣ تريليون دولار وفى الصين ١.٤ تريليون دولار يتم ضخهما فى استثمارات كبرى من أجل تحسين مستوى معيشة الفرد بعد سن المعاش .
هكذا يدار الاقتصاد فى الدول الأخرى ذات التعداد السكانى الأكبر فى العالم. لذلك فى إحدى المقالات السابقة تحدثنا عن أهمية كلمة (ضمير) تلك الكلمة التى تحوى أربعة حروف والتى إذا تمسكنا بها من قديم الأزل لكان الحال غير الحال. ربما يتساءل الكثيرون عن أسباب المعاناة المعيشية التى يعيشها أغلبية المصريين حتى الآن والتى تزداد سوء يوما تلو الآخر والسبب واضح هو البعد عن الله فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وأيضا فى حديث الرسول عندما قال (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى) .
فما نحن فيه الآن من معاملات لا يمت بصلة عن تعاليم الدين فقد أصبحت البلطجة فى الشوارع بدون رادع وأصبح السايس يتحكم فى أصحاب السيارات بدون وجه حق وأصبح الموظف فى معظم المصالح الحكومية التى تتعامل مع الجمهور لا يراعى ضميره فى مصالح الجمهور إلا بعد تقاضى رشوة أو (المعلوم)، وأصبح الاستغلال أسلوب حياة عند معظم المواطنين وعندما تعاتب أحدهم يتعلل بأنه لن يستطيع العيش إلا إذا تعامل بهذا الأسلوب.
إن الحكومة لن تحترم شعبا لم يحترم نفسه وبالتالي كل ما هو باطل سوف يُبنى على باطل ونلاحظ هذا فى الوساطات فى العمل وتقديم عديمى الكفاءات على ذوى الكفاءات لمجرد أن لديهم الوساطة ونعود لنتساءل من أين جاء انهيار المجتمع، هذا الانهيار لم يأتى من فراغ وإنما من مخالفة الضمير إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن ولن تفلح آية محاولات للإصلاح إلا بالرجوع إلى الله وإلى المعاملة بضمير.



