الإثنين, ديسمبر 1, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةفنونشعبان حسين الضوء الراحل| نفس الوجع ونفس النهاية.. مأساة الأب الفنان ووداع...

شعبان حسين الضوء الراحل| نفس الوجع ونفس النهاية.. مأساة الأب الفنان ووداع الابن

alekhbary.com EVcghf1m

في مساءٍ هادئ من أمسيات الشتاء، انطفأ نورٌ دافئ كان يملأ شاشة القلوب قبل البيوت… رحل شعبان حسين كما يرحل العابرون الأنقياء؛ بصمتٍ يشبه انسحاب ظلٍّ من فوق جدار، وبابتسامة خفيفة كأنها آخر نكتة خبّأها للقدر. لم يكن أحدٌ يتخيّل أن قلبًا منح الناس ضحكاتٍ واسعة، قد يتوقف فجأة من غير إنذار، تاركًا خلفه مسرحًا يبكي، وصديقًا مريضًا لا يقوى على الوقوف لوداعه، وابنًا ينظر إلى المقعد الخالي في البيت فلا يسمع إلا صدى غيابٍ موجع.

ومنذ ذلك اليوم، ظلّ الحزن يمشي بين خطوات الابن محمد شعبان، كأنه يسير فوق خيطٍ مشدود بين زمنين؛ زمنٍ كان فيه الأب سندًا وضوءًا ورفيق حلم، وزمنٍ آخر يحاول فيه الابن أن يكمل الطريق وحده. خمس سنوات فقط، وكانت كافية لأن يثقل قلبه بالشوق، وأن يستعيد ملامح أبيه فى كل شخصية يكتبها أو يؤديها… حتى بدا وكأن القدر يستعد ليُعيد المشهد ذاته من البداية.

وفى صباحٍ مفاجئ، توقّف قلب الابن كما توقّف قلب أبيه… وبالسبب نفسه. وكأن الرحيل كان موعدًا مكتوبًا، وكأن الحكاية التى بدأت برحيل الأب، كان غلافها الأخير يحمل اسم الابن… رحيلان يشبهان بعضهما، وانطفاءان من السلالة نفسها، وحكايةٌ كتبها الزمن بحبرٍ واحد.

alekhbary.com ZJhBQott

•البداية•

في صباحٍ شتوي هادئ من نوفمبر، وُلد طفلٌ لا يعرف أن القدر يخبّئ له طريقًا يمرّ فوق خشبة المسرح، ويعبر داخل قلوب الناس دون أن يطلب شيئًا سوى أن يترك بسمة. كان اسمه شعبان حسين.. صوتٌ رخيم، وحضورٌ خفيف، وقلبٌ يشبه مقاعد المسرح الخشبية القديمة: ثابتٌ، أصيل، ويحتفظ بدفء الحكايات.

كبر الصبي بين ضحكات البسطاء في الحارات، وحين وقف لأول مرة على خشبة المسرح، أحسّ وكأنه يعود إلى بيته الأول… هناك حيث تنطق الجدران، وتتنفس الإضاءة، وتتحرك الأرواح مع كل جملة. درس الزراعة، لكن روحه كانت مزروعة في الفن، فاختار طريقه الحقيقي والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليبدأ رحلة امتدت 18 عامًا فوق مسرح الدولة، قبل أن يجد رفيق دربه الذي لن يفارقه… محمد صبحي.

كان شعبان حسين يشبه الوردة التي تنمو في الظل، لا يبحث عن الشمس، لكنها تأتيه وحدها. في المسرح لمع نجمه في تخاريف ووجهة نظر، وتوهّج في الهمجي ولعبة الست. كان يملك تلك القدرة النادرة على أن يجعلك تضحك وأنت تفهم أن هناك دمعة تختبئ خلف الضحكة.

ورغم أن التلفزيون والسينما فتحا له بابهما، وقدّم أكثر من ١٣٥ عملاً مع كبار النجوم… من عادل إمام في “شعبان تحت الصفر” و”إعدام ميت”، إلى مشاركاته في “ناصر ٥٦” و”الخواجة عبدالقادر”، إلا أن السينما لم تمنحه يومًا البطولة التي يستحقها. أحبه الناس، لكن الكاميرا لم تمنحه الضوء الكافي. ربما لأنه لم يتقن فن الزحام، أو لأنه كان يؤمن بأن قيمة الفنان ليست في حجم الدور، بل في أثره.

ومع محمد صبحي، كان الأمر مختلفًا. كانا كعازفين قديمين يعزفان من نَفَس واحد. ظهر معه في “سنبل” و”فارس بلا جواد” و”يوميات ونيس”، وترك بصمة لا تُنسى بشخصية ثروت المبدّر… ذلك المليونير الذي يشتري كل شيء بثلاثة، وكأنه يحاول أن يشتري السعادة الهاربة من العالم.

لكن القدر — كعادته — لا يمشي بخط مستقيم.

فى عام 2013، توقف قلب شعبان حسين فجأة. رحل في هدوء كما عاش… دون ضجيج، دون وداع طويل. رحيله كشف محبة الناس، لكنه أيضًا أثار عاصفة لم يكن يتوقعها أحد، إذ هاجم الجمهور محمد صبحي لغيابه عن الجنازة، قبل أن يتضح أنه كان طريح الفراش… عاجزًا عن الوقوف، بينما صديقه يودّع العالم.

رحل الأب، وبقي الألم يسكن قلب ابنه محمد شعبان، الذي ورث الفن، وورث أيضًا المرض نفسه… وبعد خمس سنوات فقط، توقف قلبه هو الآخر. قصة حزينة، كأنها فصل إضافي كتبه القدر لإكمال الحكاية.

ورغم أن اسمه لم يُكتب يومًا في لافتة بطولة ضخمة، إلا أن الذاكرة الشعبية كتبت له بطولة من نوع آخر… بطولة القرب، والصدق، والضحكة التي لا تتصنّع. كان شعبان حسين واحدًا من هؤلاء الذين يَعبُرون في حياتنا دون ضجيج، لكنهم يتركون في القلب مقعدًا محفوظًا لا يجلس فيه أحدٌ غيرهم.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات