الإثنين, ديسمبر 1, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةفنونصوت وُلد في باب الخلق |حكاية سعاد مكاوي

صوت وُلد في باب الخلق |حكاية سعاد مكاوي

سعاد مكاوي مطربة من الزمن الجميل.. صوتٌ استثنائى ولد في باب الخلق وانطلق إلى قلوب الناس قبل أسماعهم.

سعاد مكاوي
سعاد مكاوي

في صباحٍ بارد من نوفمبر 1928، كانت القاهرة تستيقظ ببطء، بينما كانت في أحد بيوت حي باب الخلق طفلة صغيرة تفتح عينيها للمرة الأولى… طفلة وُلدت وفي صوتها بذرة لحن، وفي قلبها ميلاد حكاية. أسموها سعاد… ولم تكن مجرد سعاد، بل كانت سعاد مكاوي التي سيكبر معها الفن، وتكبر هي معه، حتى تصير إحدى أيقونات الصوت المصري الدافئ.

كبرت سعاد في بيتٍ يعج بالنغم. والدها الملحن محمد مكاوي كان يؤمن أن الموسيقى ليست مهنة، بل قدر. كانت الصغيرة تقف خلف الباب كلما جلس والدها مع مطرب أو عازف، وتردد بصوتٍ هامس ما تسمعه، حتى إذا فُتح الباب فوجدوها تغني قبل أن تتعلم القراءة.

وحين اشتد عودها قليلًا، بدأت طريقها من عالم المنولوجات؛ ذاك الفن الذي يقوم على خفة الروح وسرعة البديهة. كانت تتلألأ فوق المسرح كضوءٍ يهرب من قلب الظلام، تبث ضحكة هنا، ونغمة هناك، وتترك في الجمهور أثرًا لا يُمحى.

سعاد مكاوي وإسماعيل يس
سعاد مكاوي وإسماعيل يس

ومثل كل النساء اللاتي عرفن الفن والحياة، كان لقلبها حكايات. تزوجت أولًا من المخرج عباس كامل، ثم من الموسيقار الكبير محمد الموجي الذي جمعتهما ألحان وحب، وإن لم يكتمل طريقهما. وبعده جاء الطبيب الموسيقار محمد إسماعيل، رجلٌ هادئ الملامح، آمن بموهبتها وصوتها، وظل سندًا لها حتى النهاية.

مرت عليها سنوات صمت… أعوام اختفت فيها عن الساحة، كأن صوتها يلتقط أنفاسه، أو كأن الدنيا خاصمتها قليلًا. لكنها عادت في التسعينيات، تعود كما تعود الذكريات الجميلة: بلا ضوضاء، لكنها تمسّ القلب بقوة.

وفي السينما، كانت سعاد فتاة الشاشة المصرية التي ترافق إسماعيل ياسين في دويتوهات خفيفة الظل. في فيلم المليونير، غنّيا معًا “عايز أروح”، فصار المشهد جزءًا من ذاكرة شعب. ومع ليلى مراد شدت “سلم علي” في ليلى بنت الأغنياء، لتترك بصمة جديدة لا تشبه إلا رقتها.

قدمت سعاد 500 أغنية… خليط من العتب، والحنين، والفرح المصري البسيط. غنت:
“لما رمتنا العين”،
“قالوا البياض أحلا”،
“وحشني كتير”،
“أكبر من النسيان”،
وشاركت بصوتها في الأوبريت الإذاعي الشهير عواد باع أرضه.

أما السينما، فكانت محطة لا تُنسى. من صاحب بالين عام 1946، مرورًا بـ المليونير وجزيرة الأحلام وحسن الحظ، وصولًا إلى غازية من سنباط عام 1967، تركت سعاد في كل فيلم منها ظلًا من خفة روحها وصدقها.

سعاد مكاوي ومحمد الموجى
سعاد مكاوي ومحمد الموجى

وفي 20 يناير 2008، غابت سعاد عن الدنيا… لكن صوتها ظل حاضرًا، يتردد في المقاهي القديمة، وفي بيوت القاهرة التي تعرف جيدًا معنى الحنية.
سعاد مكاوي لم تكن مجرد مطربة، بل كانت فصلًا من فصول الوجدان المصري… صوتًا خرج من باب الخلق، وبلغ قلوب الناس جميعًا.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات