تعلم أن لا يهاب الموت وورثها مهنة عن أبيه
تحقيق أجرته : أميرة عبدالعزيز ـ
شيء مرعب أن تجد نفسك بين أربعة جدران هم أخر عهدك بالدنيا ربما كان وعيك مازال معك تدرك ما لا يدركه غيرك و لكنك لا تستطيع أن تفعل لنفسك شيئا .
هناك من يتكفل بحملك و نزع ملابسك و تطهير جسدك .. و هناك من تعرفه جيدا يقف منزويا فى ركن بعيد غارق الدمع منتفضا فى حزن شديد .
ساعتها لابد و ان تكون على يقين أنك حتما مغادر الدنيا و أنك لا تعيش كابوسا مرعبا سرعان ما تفيق منه .
تلك الحقيقة التى أدركتها لا يعرف عنها من تتركهم خلفك شيئا غير واحد تجده دائما إلى جوارك .. آخر من يقوم على خدمتك و خدمة غيرك .
تلك هى مهنته يعرفه الناس بها و ينادونه \” حانوتى \” .
الوراثة والخبرة جعلته محترفا و أصبحت مهنته لكسب لقمة العيش
لم أجد ما تسعفنى به الكلمات كثيرا و انا أبحث عن سر رهبة وقوة هذه المهنة \” مغسل الأموات \” ومن يمتهنها فبمجرد ذكرها يقشعر البدن ويصمت العقل للحظة حتى يعى أنها تحمل حقيقة الحياة ، ليتراءى أمام عينى\” محمود أحمد توفيق \” شاب يبلغ من العمر ثمان وعشرون عاما تكاد ملامحه تحمل الكثير من القوة التى تختبئ فى قلبه وذاته و تملؤه إيمانا ضاربا بأحلام الشباب عرض الحائط مختصرا حياته بين الأموات ، احترف التعامل معهم وتغسيلهم ليكون صاحب اللمسة الأخيرة ، فهو انسان فى واقعه بسيط اعتاد عمله و رؤية الأموات يوميا أو على حد قوله \” أصل الموضوع وراثة ولقمة العيش بتحكم \”
ويروى لنا عن مهنته والعالم المختلف الذى يعيش فيه وأسلوب الحياة الذى يصعب على الكثير أن يتخيل هل مثل هذا الشاب يمكنه أن يعمل فى هذه المهنة وبهذه القوة لأبدأ لقائى معه .
ــ محمود منذ متى تعمل فى هذه المهنة ؟
انا \” بشتغل وأنا عندى 16سنة يعنى من 12 سنة تقريبا أصلها وراثة أبويا الله يرحمه كان حانوتى ومغسل معروف وكان بيتطلب بالاسم وكنت بروح معاه أساعده لحد ما اتعلمت أصول المهنة ، ومش هنسى أول يوم دخلت فيه مع أبويا كنت مرعوب و إيدى بتترعش بس مع الوقت قلبك بيجمد \” .
ــ معاك شهادة يا محمود ؟
أنا معايا دبلوم صنايع
ــ هل فكرت أن تترك المهنة يوما ما ؟
لا ، بالعكس \” لما تحسى انك فاهمة فى مهنة واشتغلتى فيها وبقي فى خبرة ما تفكريش تسيبيها ، وأكيد بتتقى ربنا ودا أهم حاجة لا مؤخذة فى مهنتنا انتى بتشيلى السترة عن الأمانة \” الجثة \” ربنا اللى بيبقى شايفنى وممكن محدش من أهل الميت يبقى موجود فيه ناس قلبها ضعيف وبتخاف ومابتقدرش تحضر الغسل ، ومحدش شايف انا بعامل الأمانة إزاى غير المولى عز وجل ، لازم أغسل بضمير وأتقى الله وأبقى عارف وبعدين تغسيل الراجل غير الطفل غير السيدة ،الراجل بيكفن فى 3 أدراج والسيدة فى 5 أدراج لأن عورة السيدة تختلف عن الرجل ، لكن معروف الرجل بيغسل رجل والسيدة بتغسلها ست \” .
ــ ما رأيك هل تصلح السيدات فى هذه المهنة ؟
اه تصلح وأعرف ستات بيشتغلوا فى المهنة ، بس طبعا ليها شروط لازم يكون قلبها جامد وسنها مش صغير عشان تقدر لأنها مش سهل وفى رجالة مابيقدروش يشتغلوها .
ولازم قراءة القرآن على طول اثناء الغسل وتبقى حافظة ماتيسر من أدعية وقراءة سورة الإخلاص .
ــ ماذا عن أصعب مشهد مر عليك فى هذه المهنة ؟
كلها مشاهد بتأثر لكن مع الوقت يبقى هنا تعود لكن \” فى مشهد مش حنساه غير بطلوع روحى طفلة صغيرة عمرها سنتين ، والأطفال هما اكتر حاجة بتسيب تأثير جوايا ومشهد تانى لطفل كان عنده 9 سنين فاكر أمه أغم عليها وكانت فى نفس اليوم فى العناية المركزة .
ــ وماذا عن أسرتك ؟ وهل حياتك تتأثر بعملك ؟
أنا متزوج وعندى بنتين والحمد لله أتمنى من ربنا أشوفهم فى أعلى المراكز ويبقوا أحسن منى ، و \” أكيد لما يكبروا حقولهم أنا بشتغل ايه لانى انا فخور بمهنتى جدا ومابتكسفش منها وهما كمان لازم يفهموا كدا ، والحقيقة ربنا رزقنى بزوجة فاهمة ومقدرة ظروف شغلى وعمرها ما اشتكت ولا قالتلى سيبها \” .