كتبت- أمنية حجاج
“وطن مصاب بمرض الفراق” ليس مجرد كتاب للمؤلف عمرو خان الكاتب الصحفى، بل هو رسالة أمل من قلب الألم وصرخة عاطفية وفكرية تسعى لإيجاد معنى وسط الفوضى، عمر خان فى أسطره، يأمل أن يُشكل هذا العمل نافذةً للأمل، تكشف قوة الروح السودانية وقدرتها على تجاوز جميع الصعاب وبناء السودان الذى يريده.
يأخذنا هذا الكتاب فى رحلة فريدة عبر تاريخ السودان الحديث، موثقًا قصصًا وسرديات من زوايا قلما أضاءت عليها الأضواء، ويقدم تحليلاً وقراءة شاملة للصراعات السياسية والاجتماعية التى أضرت بوحدة السودان وهويته منذ استقلاله عام 1956 حتى وقتنا الحالى.
كما يتناول تحليلاً دقيقًا موضحًا كيف أدى التفرق السياسى والاجتماعى إلى تفكك النسيج الاجتماعى السودانى وتأثير ذلك على الهوية الوطنية. ويجمع بين السرد التاريخى والتحليل الاجتماعى فى رؤية متعمقة تهدف إلى فهم أسباب النزاعات المستمرة وتأثيرها على الأجيال المختلفة. كما يتضمن فصولاً مهمة مثل الفصل الختامى الذى يحمل عنوان: “عودة الفرع إلى الجذور: مواجهة تحديات الشتات السودانى”، والذى يسلط الضوء فيه على معاناة السودانيين فى الشتات، وكيف يمكنهم إعادة بناء الروابط مع وطنهم وهويتهم الأصلية.
يقول المؤلف أن الوصف الذى جاء فى عنوان الكتاب: “السودان مصاب بمرض الفراق” هو وصف أدبى لتشخيص سياسى، ومن هنا فضلت استخدام المفردات الأدبية المعالجة، لأن هذا الأدب يصنف كالأدب السياسى-الاجتماعى الذى يعالج أو يتعرض أو يعرض قضايا الهوية والهجرة والنزوح نتيجة الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية التى يعانى منها السودان، كما تعانى منها دول أخرى مثل سوريا والعراق واليمن وجيبوتى والصومال، وأنا لم أكتب قضايا سياسية فقط، لكنى أشخص وضع دولة، وما أكدت عليه فى هذه الدراسة هو فكرة البحث فى هذه الدول عن قضاياها والظواهر المرتبطة بعلم الاجتماع سواء أكانت سياسية أو اقتصادية.
وفى هذا الإطار شهد مركز “فيجن” للتدريب والتنمية المستدامة حدثا ثقافياً استثنائياً حيث تم تدشين الكتاب فى حفل حضره نخبة من الأدباء والإعلاميين المتخصصين فى الشأن السودانى والمصرى، فى مناقشة معمقة ألقت الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية التى صنعت ملامح السودان منذ استقلاله وحتى اليوم من خلال سرديات وطن مصاب بمرض الفراق.
من جهتها، ألقت الكاتبة الصحفية أسماء الحسينى مديرة تحرير جريدة الأهرام، والتى كتبت مقدمة الكتاب، الضوء على أهمية هذا الإصدار في توثيق وتحليل النزاعات الكبرى بالسودان، وأوضحت أن الكتاب يتجاوز كونه مجرد سرد تاريخى، ليصبح نافذة عاطفية تشارك القارئ فى الألم والهموم السودانية، مقدما تجربة إنسانية مكتملة الأركان.
الكاتب عمر خان ارتبط وجدانياً بالسودان بعد أن عاش فيه سنوات، قدم كتابه كمرآة لآلام هذا البلد وشعبه، وصرح خلال اللقاء بأن الكتاب يُعد أدبا سياسياً، وانعكاس لواقع معاش، حدد فيه خان عمق الجراح السودانية وشهد تحولاتها على مدار عقود، وأشار إلى أن الكتاب ينقسم إلى سبعة فصول، تبدأ من “جذور الانتماء وهوية النيل”، لتستعرض ارتباط السودان بنهر النيل الذى شكل وجدان أهله، ويتناول الفصل الثاني “جذور الفراق”، مسلطًا الضوء على الانقسامات التى نمت عبر الزمن، بينما يركز الفصل الثالث على “فراق الوطن”، حيث يرسم صورة حية لمأساة النزوح والهجرة، أما الفصل الرابع، “الفراق الداخلى”، فيناقش الانقسامات النفسية والاجتماعية التى أفرزتها الصراعات.
ويحمل الفصل الخامس عنوان “الفراق السياسى والاجتماعى والتغير الثقافى”، حيث يعرض تأثير التحولات السياسية على الهوية الثقافية للسودان، ويأتي الفصل السادس “صعوبات الاندماج فى مصر”، ليسلط الضوء على تجارب السودانيين الذين حملوا جراحهم إلى أرض جديدة، ليواجهوا تحديات التكيف والاندماج، وأخيرًا ينطلق الفصل السابع فى “رحلة عبر أزمنة وأمكنة”، ليجمع كل الخيوط فى سرديات شجية تنبض بالحنين.
ولم يتوقف تدشين الكتاب على الاستماع فقط بل تميزت بالمناقشات ومداخلات ثرية من الحضور، الذين أبدوا إعجابهم بعمق الطرح وجمال السرد للأحداث، وفقًا لما أكده الكاتب، هو محاولة لمشاركة الألم مع الأشقاء السودانيين، واستدعاء التساؤلات حول قضايا ما زالت عالقة فى الوجدان الجماعى.
وأُسدل الستار بتكريم الكاتب عمر خان بوسام الإبداع من البورد الأمريكى، الذى قدمه الدكتور حسن رجائى مدير البورد الأمريكى بالشرق الأوسط تقديرًا لإبداعه وجهوده فى تسليط الضوء على القضايا الإنسانية والسياسية السودانية، جاء التكريم وسط أجواء مفعمة بالحفاوة والتقدير، حيث عمّ التصفيق أرجاء القاعة، تعبيرا وتقديرآ بإسهامات الكاتب ومضمون الكتاب العميق الذى لامس القلوب والوجدان، ليبقى شاهداً على أزمات عبر التاريخ.
وعن سؤال عن كيف جاءت فكرة الكتاب؟ قال الكاتب: الفكرة جاءت بعد قيام الحرب فى شهر رمضان 15 أبريل 2023، وقد نشرت دراسة فى مجلة “السياسة الدولية” بعنوان: “متى تتوقف الحرب فى السودان” قدمت فيها سيناريوهات المستقبل وقلت: إذا لم تتوقف الحرب سوف تنزلق البلاد إلى ما هو أسوأ من الكوارث الإنسانية، وللأسف لم تتوقف الحرب فعلاً ولحق بها الدمار وما خلفته من كوارث إنسانية لا تزال قائمة وتحتاج لسنوات لمعالجتها، وإذا لم يتوقف هذا الصراع ما بين الجيش والدعم السريع سوف تنصرف الدولة إلى حرب أهلية لا يُحمد عقباها، وأنا كصحفى وباحث متخصص فى الشأن الإفريقى وعلى صلة وطيدة بمكونات المجتمع السودانى على المستوى الشعبى والرسمى وجدت أننى من الإنصاف أن أتكلم عن الإنسان وليس السياسة، فالمجتمع السودانى يعانى طول الوقت من عدم الاستقرار، وأصبحت نسب الهجرة والنزوح فيه عالية واللجوء أيضًا، وتفاقمت الأمور عام 2023 إلى أن أصبح العدد الرسمى قرابة 3 مليون مواطن سودانى نازح.