الإثنين, ديسمبر 1, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةمقالاتوليد الخشاب يكتب بالأهرام إبدو: فرنسا… شأنٌ مصري

وليد الخشاب يكتب بالأهرام إبدو: فرنسا… شأنٌ مصري

 

ترجمة: د. يسرا محمد مسعود

 

إن القول بأن فرنسا شأن مصري قد يبدو مختصرًا صادمًا أو ذا نبرة شعرية -أو الأمرين معًا- لكنه يحمل قدرًا لا يُستهان به من الحقيقة. فالفرنكوفونية، وخاصة محبّو وعشّاق اللغة الفرنسية، تُشكّل في الواقع أحد الجوانب البارزة في الهوية الثقافية الحديثة لمصر منذ القرن التاسع عشر، أي منذ حملة بونابرت على مصر.

بدأت الحملة الفرنسية أو الغزو الاستعماري الفرنسي عام 1798 وانتهت في 1801. وقد دفع ذلك بعض المؤرخين إلى اعتبار أن القرن التاسع عشر بدأ فعليًا في هذا التاريخ، تمامًا كما نقول إن القرن الأمريكي الحادي والعشرين بدأ سنة 2001 مع هجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي.

وقد تم تسريح العديد من ضباط الجيش الإمبراطوري الفرنسي بعد سقوط نابليون عام 1815، فاستقبلهم محمد علي باشا في مصر بأذرع مفتوحة. وأسهم هؤلاء في تأسيس الجيش المصري الحديث الذي أنشأه هذا الوالي صاحب الرؤية. كما شارك الأطباء والمهندسون والفنيون الفرنسيون في تنفيذ عدد كبير من مشاريع التحديث خلال القرن التاسع عشر، إذ واصل خلفاء محمد علي نهجه المحب لفرنسا.

فقد كُلّف الدكتور كلوت (كلوت باشا) بوضع أسس الطب الحديث في مصر، فيما قاد لينان دي بلفون (لينان باشا) أعمال الري والأشغال العامة في الصعيد، وأشرف على بناء السدود والقناطر. أما الكولونيل سيفيس (سليمان باشا) فكان مؤسس الجيش الحديث لمحمد علي، إلا أنّ الدعم السياسي الذي قدّمته باريس للتطلعات القومية المصرية منذ الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 هو ما رسّخ صورة فرنسا بوصفها “بلاد التنوير” وصديقة مصر الحديثة، تلك الدولة التي كان مشروع محمد علي التعبير الأول عنها.

لقد أدّى الموقف الدبلوماسي الفرنسي المعارض للاحتلال البريطاني إلى تعزيز المكانة الرمزية لفرنسا في المخيلة المصرية. وهذا التعاطف هو ما سهّل تقبّل الرواية القائلة إن فرنسا كانت ستجلب عصر التنوير إلى مصر منذ وصول بونابرت إلى سفح الأهرامات.

وقد ظهرت هذه الرواية أولًا في الدعاية النابليونية، ثم أصبحت جزءًا من الخطاب الفرنسي حول دور الجمهورية الثقافي، واستمرت حتى اليوم. إنها رواية وُلدت مطلع القرن العشرين، وأعادت ابتكار حدث مرّ عليه مئة عام. ومنذ صعود الحركات القومية المصرية بين الحربين العالميتين، وخاصة مع بدء مرحلة إنهاء الاستعمار ووصول الضباط الأحرار إلى السلطة عام 1952، عاد الاهتمام بما يسمى “التنوير المصري”، لا سيما أعمال رفاعة الطهطاوي، صاحب كتاب “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”.

وقد ساهم عدد من منظّري الحداثة المصرية، مثل لويس عوض مؤلف “تاريخ الفكر المصري الحديث” في نشر رواية محبّة للفرنسية، مفادها أن الحملة الفرنسية أدخلت القانون والطباعة إلى مصر.

وبصورة ضمنية: كان للاستعمار الفرنسي وجهٌ قاسٍ ومفترس -وجه القوة والقانون- إلا أنه حمل معه أيضًا الحداثة والتنوير، وكانت الطباعة رمزهما الأبرز. وفي المقابل، برز تيار تاريخي مصري ينتقد هذا الخطاب، ويعتبر اختزال عصر التنوير المصري في حملة بونابرت تبسيطًا مُخلًّا. وتُعدّ الأعمال التي كتبها بالعربية كل من رؤوف عباس وناصر إبراهيم محرّرا كتاب «مائتا عام على الحملة الفرنسية: رؤية مصرية)، وكذلك أعمال أنور لوكا بالفرنسية، صاحب كتاب: (Autre Égypte ) من بونابرت إلى طه حسين، من أهم النصوص التي تقدّم رؤية مضادة. فهي -دون إنكار الدور الفرنسي- تضع تلك الحملة في إطار المشاريع الاستعمارية الأوروبية التي استغلّت السكان غير الأوروبيين. سواء أكنت مع الحملة أو ضدّها، لا يهم كثيرًا؛ إذ إن الأدبيات التي تناولت الحداثة في العالم العربي كثيرًا ما جعلت من غزو بونابرت لمصر نقطة مركزية في التفكير حول انتقال التنوير والحداثة من أوروبا إلى العالم العربي.

إن عشق المصريين للغة الفرنسية يدور حول ثلاثة محاور رئيسة:

  1. شخصية بونابرت باعتباره -في المخيال العام- رائدًا للتنوير في مصر.
  2. الامتنان للخبراء الفرنسيين الذين تعاونوا مع محمد علي في تحديث مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية.
  3. الدعم الدبلوماسي الفرنسي لجهود الوطنيين المصريين منذ الاحتلال البريطاني.

وحين تحصل القاهرة على استقلالها من بريطانيا، فإن ذلك -من منظور سياسي- يُضعف القوة العالمية المنافسة لفرنسا، وهو ما جعلها “الحليف الدبلوماسي” الطبيعي للقوميين المصريين. وهكذا اكتسبت صورة بونابرت -الذي جاء إلى مصر بنيران المدافع وبشرارة التكنولوجيا الحديثة وأضواء المطبعة وثقافة التقدم- بعدًا مؤسسيًا. وقد عزّز وجود الخبراء “البونابرتيين” في مصر بعد سقوط الإمبراطورية الأولى هذه الصورة عبر الزمن.

وهكذا أصبحت الفرنكوفونية عنصرًا راسخًا من عناصر القومية الثقافية المصرية.


المصدر:

https://french.ahram.org.eg/NewsContent/4/132/74678/Opinion/Opinion/La-France,-une-affaire-;gyptienne.aspx

 

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات