في مساءٍ يتوهّج فيه الوعي كما تتوهج الشموع في دروب الباحثين عن الأمان، اجتمع القلم والصوت والفكرة في حضرة صالون حنان يوسف الثقافي، ليرفعوا معًا رايةً برتقالية في وجه العنف بأشكاله، ويعلنوا أن المرأة ليست وحدها في معركتها مع العالم الرقمي وما يحمله من ظلالٍ مقلقة.
وفي اليوم الدولي لمنع العنف ضد النساء، ارتفع صدى المبادرات الإنسانية ليولد من بين أنشطة الصالون وعدٌ جديد… وعدٌ يحمل اسم “نحميها”؛ مبادرة جاءت كخطوة حاسمة في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بقدر ما تتسارع الأخطار.
كان اللقاء أشبه بمنبر مضيء يجتمع عليه نخبة من العقول العربية من مختلف البلدان، ليُعيدوا رسم حدود الأمان النفسي والاجتماعي للمرأة، ويكشفوا عن الجروح الصامتة التي تُخلّفها الضغوط الرقمية من ابتزازٍ وتشهيرٍ وتحريضٍ وتجاوزٍ للخصوصية.
وفي كلماتٍ ملؤها الإخلاص، أكدت الدكتورة حنان يوسف أن الأمان الرقمي لم يعد رفاهية، بل حقٌّ أصيل يجب أن يُصان، وأن حماية المرأة في العالم الافتراضي ليست مسؤولية فرد أو مؤسسة، بل مسؤولية مجتمع بأكمله.
وهكذا… تحوّل الصالون إلى ساحة حوار فاعل، تتقاطع فيها الرؤى القانونية والإعلامية والتربوية والثقافية، لتعلن بصوت واحد أن المرأة تستحق فضاءً آمنًا، يليق بإنسانيتها، ويحمي حضورها من العنف الخفي الذي يتسلل خلف الشاشات.
ومع ختام الأمسية، غنّت الأصواتُ قبل الآلات، ورددت القلوب قبل الحناجر أن نصف الدنيا يجب أن يبقى مرفوع الرأس، محميًا، مصانًا، وقادرًا دائمًا على الحياة بكرامة… في الواقع كما في العالم الرقمي.
جاء ذلك تحت رعاية المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولي، حيث انعقد مساء الخميس 27 نوفمبر 2025 الصالون الثقافي الإلكتروني في دورته الثانية والسبعين، وذلك بعنوان: “لا للعنف الرقمي ضد النساء”، تزامنًا مع فعاليات حملة الـ16 يوما من الأنشطة لمناهضة العنف ضد المرأة في اطار اليوم العالمي للقضاء علي العنف ضد النساء والذي أقرته الامم المتحدة في ٢٥ من شهر نوفمبر من كل عام وخصصت له هذا العام موضوع مواجهة العنف الرقمي ضد النساء .
صرحت الأستاذة الدكتورة حنان يوسف، أستاذ الإعلام ورئيس المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولي أن العنف الرقمي بات أخطر أنواع العنف الموجّه ضد المرأة، في ضوء تعاظم الاستخدامات الرقمية ودخولها في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمعات، الأمر الذي يتسبب في انعكاسات سلبية على المرأة نفسيًا واجتماعيًا. مؤكدة أن الوقت قد حان لاعتبار الأمان الرقمي حقًا أصيلًا للمرأة العربية.
وشهد الصالون مشاركة واسعة من نخبة من الشخصيات العربية من مصر والسودان والأردن والعراق والسعودية والإمارات واليمن وتونس والجزائر وكندا ، من الإعلاميين والأكاديميين والخبراء في مجالات القانون، والإعلام وقضايا المرأة. وأوضح المتحدثون في كلماتهم مدى خطورة العنف الرقمي بأشكاله المختلفة، وتأثيره على المرأة العربية، مؤكدين على ضرورة توحيد الجهود لتعزيز الوعي الرقمي ونشر ثقافة الأمان الإلكتروني، لمواجهة مظاهر هذا العنف الرقمي ومن اهمها الابتزاز الإلكتروني والتحرش الرقمي والتشهير واختراق الخصوصية وتهديد السمعة الرقمية وغيرها وكلها من المظاهر الخطيرة التي تهدد حياة النساء وتؤدي الي جرائم كراهية وشرف وعنف خطيرة.
تناول المشاركون محاور الظاهرة من الأبعاد المختلفة بحسب تخصص الخبراء المشاركين في اللقاء وتركزت في المحاور التالية : القانونية ، الإعلامية ، التربوية ، الثقافية ، الاجتماعية ، التكنولوجية ، الصحية بالإضافة الي التعهدات الدولية .
كما استعرض الحضور من خلال كلماتهم تجارب واقعية ودراسات حديثة حول تنامي ظاهرة العنف عبر المنصات الرقمية، مؤكدين أهمية إطلاق مبادرات تعليمية وإعلامية لحماية النساء والفتيات من التهديدات الإلكترونية.
في ختام الصالون، أعربت يوسف أن المنظمة مهتمة بالدفاع عن المرأة من خلال تقديم أنشطة متنوعة في حملة الـ 16 يومًا لتوعية بضرورة مناهضة العنف ضد المرأة بشكل سنوي، ودعم قضايا المرأة وتمكينها في البيئة الرقمية.
وفي اطار. ذلك سيتم إطلاق مبادرة “نحميها ” وتدعو الي تعزيز الوعي لتوفير بيئة امنة لحماية المرأة من العنف الرقمي من منطلق المسئولية المشتركة المجتمع في ذلك .
تتضمن المبادرة نماذج واقعية ودورات تدريبية وكتبيبات إرشادية ومحتويات إعلامية تدعو الي الوعي بالحماية الرقمية ضد العنف الإلكتروني ضد النساء
في نهاية اللقاء شدت الفنانة ندى المنسي، عضو الصالون الثقافي بأغنية (نص الدنيا).
ثم تلتها بمقطع من أوبريت ” الوطن الأكبر ” وسط تفاعل وحماس المشاركون في الصالون الثقافي .
