الجمعة, ديسمبر 12, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةتحقيقاتمن دفتر الأمثال الشعبية| (عدوّ ولدك في بطن بنتك) (خالطين) ولما بان...

من دفتر الأمثال الشعبية| (عدوّ ولدك في بطن بنتك) (خالطين) ولما بان الحق طلع (خال طين)

بقلم: أرزاق المشنب

في الموروث الشعبي، يطلّ مثلٌ عجيب بوقعه وعمقه:
“عدوّ ولدك في بطن بنتك.”

ليس المثل مجرد كلمات تتقاذفها الألسنة، بل هو خلاصة تجارب مريرة تراكمت عبر السنين، تروي كيف يمكن للعداوة أن تنبت داخل البيت نفسه، بين دمٍ ودم، وبين جيلٍ وآخر.

فـالولد هو الامتداد الأول للرجل،
وابن البنت هو الامتداد الذي يجيء من ناحية القلب،
لكن الحياة — بقوانينها وتعقيداتها — قد تجعل هذا الحفيد يقف يومًا في مواجهة خاله، لا رغبةً في خصومة، بل بحثًا عن حق ضائع.

حين يلجأ بعض الآباء إلى عقود بيع صورية يخصّون بها الأبناء الذكور ويحرمون الإناث من الميراث، يظنون أنهم يحكمون قبضتهم على الدنيا، وأن الورق يمكنه أن يغيّر مسار العدل.
لكن الزمن يدور… وتأتي لحظة يطالب فيها ابن الابنة بحق أمه، فيظهر العقد الورقي الهش، وتظهر معه الشقوق القديمة، ويقف الحفيد في مواجهة خاله، كأنهما غريبان، لا جمعتهما دماء ولا صلات رحم.

هنا يصبح ابن الأخت عدوًّا لخاله رغم أن العداوة ليست من طبعه، بل صنيعة ظلم قديم لا يد له فيه.
وهكذا يتحقّق المثل:
فالعدو ليس من خارج الدار، بل من داخل الرحم نفسه…
ومن داخل “بطن بنتك”.

يُقال هذا المثل حين تمتد النزاعات داخل الأسرة، وحين تتحوّل حقوق الميراث إلى معارك، وحين يثبت الواقع أن القريب قد يكون — أحيانًا — أشد على القريب من الغريب نفسه.

ومع ذلك، يظل المثل جرس إنذار لا دعوة للخصومة:
تحذير بأن الظلم لا يموت، وأن ما يُطمس بالأوراق يعود ليظهر بالحق، وأن الروابط العائلية قد تهتزّ حين يُكسر ميزان العدل.

وتمضي الحكاية في نسقها الشعبي، حاملةً ذلك الوجع الذي يصنعه القرب حين يتحوّل إلى خصومة، حتى يتردّد في الذاكرة ذلك البيت الشعبي المرّ:

فاكر يا خال لما كنا خالطين
محلاك يا خال في لبس الجوخ والقفاطين
جِت لك يا خال كنت فاكر إن إحنا خالطين
لقيتك يا خال دونٍ عن الخوال… خال طين

كأن الحفيد، وهو يواجه خاله، لا يراه خصمًا فقط، بل يرى المسافة التي اتّسعت بينهما عبر الزمن.
كان يظنه السند، والضحكة، والظل الذي يحمي من هجير الأيام…
كان يراه في طفولته يرتدي الجوخ، متأنقًا، شامخًا، يلوّح له في المناسبات وكأنه فارسٌ من زمنٍ نبيل.

لكن حين جاءه — لا طامعًا، بل باحثًا عن حق أمه — فوجئ بأن تلك الهيبة كانت قشرة، وأن خلف الجوخ والقفاطين طينًا لاصقًا بالقدمين… طينُ ظلمٍ قديم، وطينُ ميراثٍ مُلغَمٍ بالنيات، وطينُ قلبٍ ضلّ طريق الرحمة.

هناك، عند تلك اللحظة الفاصلة، يدرك الحفيد أن القرابة وحدها لا تصنع خُلقًا، وأن الدم ليس ضمانًا للعدل،
وأن الرجل قد يبدو بين الخوال جميعًا خالًا، لكنه في ساعة الامتحان… يظهر معدنه الحقيقي:
خال طين.

وما كان للمثل أن يخلَّد إلا لأنه يحكي عن هذه اللحظة بالضبط:
لحظة انكسار الوهم، وظهور الحقيقة، ووقوف ابن البنت أمام خاله ليقول — بمرارة العالم الذي كبر قبل أوانه —:
ليس كل قريبٍ قريبًا… وليس كل خالٍ خالطين.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات