
ترجمة: هبة مسعود
في منتصف القرن التاسع عشر، أجرى الطبيب صامويل كارترايت الدراسات الأولى على وظائف الرئة عبر الأعراق المختلفة. باستخدام جهاز قياس التنفس (Spirometer) الذي يقيس كمية الهواء التي يستطيع الشخص استنشاقها وزفيرها، لاحظ كارترايت فروقًا بين الأشخاص من العرق الأسود والأبيض. وسعى لتفسير هذه الفروق، مؤكدًا بطريقة غير محايدة أنها ناتجة عن ما اعتبره قصورًا فطريًا في بعض الأعراق، وهو تفسير كان متوافقًا مع وجهات نظر مؤيدة للعبودية في ذلك الوقت.
بعد مرور أكثر من 150 عامًا، ظهرت فكرة أن وظائف الرئة قد تختلف بين الأفراد لأسباب متعددة، لكنها لا يمكن أن تُبنى على أساس العرق وحده. وقد أثارت بعض الحسابات الطبية المبنية على العرق اهتمام الباحثين، خصوصًا فيما يتعلق بالقدرة على مقارنة وظائف الرئة بين الأعراق، ما أدى إلى موجة جديدة من الدراسات التي تعتمد على أجهزة قياس التنفس وفرضياتها الأساسية.
يظل جهاز قياس التنفس أداة أساسية لتقييم وظائف الرئة وتشخيص أمراض مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) واضطرابات رئوية أخرى. ويشير دانيل سيلون هيدالجو، باحث أكاديمي ومتدرب على رعاية مرضى الرئة في جامعة كولورادو – حرم أنشوتز الطبي، إلى أن المرضى من العرق الأسود الذين يسجلون مستويات أقل مقارنة بالبيض قد يحصلون على تقديرات “طبيعية” لوظائف الرئة، ما قد يؤدي إلى تأخير تلقي الرعاية اللازمة.
في الماضي، استُخدمت البيانات لتبرير الاعتقاد بوجود اختلافات فطرية بين الأعراق في وظائف الرئة. فقد أظهرت بيانات برنامج فحص الصحة والتغذية الوطني (NHANES)، الذي اختتم في 1994، أن متوسط الأداء الرئوي للأمريكيين السود كان أقل بنسبة تتراوح بين 12% و15% مقارنة بالأمريكيين البيض.
ومع ذلك، هناك جدل واسع حول تفسير هذه الاختلافات. يقول هيدالجو: “في الطب، نميل أحيانًا لاستخدام العِرق كبديل سهل لمجموعة من العوامل الأخرى.”
من هذه العوامل: التغذية في مرحلة الطفولة، التعرض للتلوث، التدخين، والظروف البيئية والاجتماعية الأخرى، التي تلعب دورًا مهمًا في أداء الرئة. وحتى الآن، لم يُكتشف جين أو مجموعة جينات تفسر هذه الفروق الظاهرية في وظائف الرئة. بل أظهرت الدراسات أن البيئة وظروف المعيشة تؤثر على وظيفة الرئة بشكل أكبر من العوامل الوراثية المرتبطة بالعرق. على سبيل المثال، يُلاحظ أن الأشخاص من العرق الأسود، الهيسبانيين، أو الآسيويين في الولايات المتحدة يتعرضون غالبًا لمستويات أعلى من تلوث الهواء مقارنة بالبيض.
دراسة حديثة أشارت إلى أن الاعتماد على افتراضات عرقية عند تقييم وظائف الرئة قد لا يساعد في التنبؤ بالنتائج الصحية. ويؤكد هيدالجو أنه بالرغم من وجود مقترحات لتغيير هذه الممارسة في المجلات العلمية، فإن أي إصلاح واسع النطاق يتطلب أبحاثًا إضافية لتوضيح الأضرار المحتملة. ويضيف أن التغيير يحتاج إلى إقناع المجتمع الطبي المتخصص في طب الرئة بضرورة إنهاء هذه الممارسة.
المصدر: هنا توماسي، مجلة بروتو الطبية (Proto Magazine)



