لم يكن “عم حسين” يتخيّل أن رحلة غربته بعيدا عن أرض الوطن التي بدأت قبل أكثر من عشر سنوات في الكويت، ستنتهي على سرير أبيض داخل غرفة عناية فائقة، محاطًا بأجهزة تصدر أصواتًا متقطعة تشبه دقات قلبه المتعبة.
كان يعمل في ورشة صغيرة للنجارة، يرسل رزقه أولًا بأول إلى أسرته في المنيا، حتى يأتي يوم يعود فيه إلى الوطن محمّلًا بفرح أكبر من حقائبه. لكن المرض لم يستأذن، تسلل إلى جسده في صمت، حتى صارت العودة التي حلم بها مجرد أمنية مستحيلة.
في الأيام الأخيرة، أصبح جسده أضعف من أن يحتمل العمل أو حتى الوقوف. وبدأت الملامح تتغير، والصوت يخفت، وأصبحت الغربة أقسى… ليس لأنها بعيدة، بل لأنها لا تضم صدرًا يعرف معنى “الونس”.
حين تدهورت حالته، تكفّل بعض المصريين الطيبين من حوله بمحاولة مساعدته. طرقوا كل الأبواب، وبين ليلة وضحاها، تحوّل القلق إلى شعاع أمل بعد أن تدخلت القنصلية المصرية في الكويت ورفعت الأمر إلى وزارة الخارجية.
وبناء علي توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي برعاية أبناء الجاليات المصرية بالخارج، نجحت وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والصحة والقنصلية المصرية في الكويت، في تسهيل إجراءات نقل المواطن المصري إلى أرض الوطن، وترتيب رعاية طبية لائقة له في أحد مستشفيات وزارة الصحة المصرية.
لم يكن الأمر مجرد أوراق وإجراءات، بل كان أشبه بيد تمتد لتنتشل غريقًا في اللحظة الأخيرة. توالت الاتصالات، اجتمعت إرادة وزارات الخارجية والدفاع والصحة، وانفتح طريقٌ نحو الوطن.
وفي صباح هادئ، تحركت سيارة الإسعاف إلى المطار. كان عم حسين مستلقيًا، لكن قلبه كان يركض… ليس خوفًا من الرحلة، بل شوقًا لرائحة بلده التي اشتاقها أكثر مما اشتاق للشفاء نفسه.
على متن الطائرة المجهزة طبيًا، كانت عيناه نصف مفتوحتين، يراقب السماء من خلف النافذة وكأنها تبشره بعودة طال انتظارها.
وعندما هبطت الطائرة في القاهرة، كان المشهد يشبه احتضانًا كبيرًا: فريق طبي ينتظره، إجراءات مُيسرة، ووجه جديد لكل شخص جاء ليقدّم يد العون. نُقل مباشرة إلى أحد مستشفيات وزارة الصحة، ليبدأ مرحلة علاج جديدة، لكن بروح مطمئنة هذه المرة… لأنه بين أهله.
ولم تنس وزارة الخارجية أن تشكر دولة الكويت وكل من ساهم في تسهيل رحلته الأخيرة من الغربة إلى الوطن.
لكن الشكر الأكبر كان في قلب عم حسين، الذي أحسّ — ربما لأول مرة — أن بلده لا تنساه… حتى وهو بعيد، وحتى وهو ضعيف.
كانت هذه القصة درسًا صغيرًا في إنسانية كبيرة: أن الأوطان الحقيقية لا تُقاس بالحدود، بل بالقلوب التي تفتح أبوابها لأبنائها مهما طال الغياب ومهما اشتدت الظروف.
تعاود وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج التأكيد على دورها الأساسي في رعاية المواطنين المصريين في الخارج، وتقديم كافة سبل الدعم لهم وفقاً للإمكانيات المتاحة، وفى إطار تقديم كافة الخدمات القنصلية للجاليات المصرية المنتشرة في كافة دول العالم.



