
في حدثٍ تاريخي يُجسد انتقال مصر من مرحلة الحلم إلى التنفيذ، تسلمت القاهرة وعاء ضغط المفاعل الأول ضمن مشروع محطة الضبعة النووية، في خطوة تمثل بداية مرحلة التركيب الفعلي للوحدة النووية الأولى، وتأكيدًا على التزام الدولة المصرية بمواصلة تنفيذ أحد أهم مشاريعها الاستراتيجية في مجال الطاقة.
وجاء تسلم “حلة المفاعل” ليعكس مدى تقدم الأعمال الإنشائية والفنية بالموقع، في إطار الشراكة القائمة بين هيئة المحطات النووية المصرية وشركة “أتوم ستروي إكسبورت” الروسية، التابعة لمؤسسة روس آتوم.
من حلم إلى واقع
يُعد مشروع الضبعة تتويجًا لحلم مصري بدأ منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، عندما أُنشئت هيئة الطاقة الذرية المصرية عام 1955، وتم تشغيل المفاعل البحثي الأول في أنشاص عام 1958 بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي.
ومنذ ذلك التاريخ، ظلت فكرة إنشاء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية مطروحة، حتى تم تحديد منطقة الضبعة بمحافظة مطروح في ثمانينيات القرن الماضي كموقع مناسب للمشروع بعد دراسات موسعة.
وقد توقف المشروع مؤقتًا بعد حادثة مفاعل تشيرنوبل عام 1986، ثم أُعيد إحياؤه رسميًا عام 2007، ليُتوج لاحقًا بتوقيع الاتفاق الحكومي بين مصر وروسيا في نوفمبر 2015، الذي نص على بناء محطة نووية تضم أربع وحدات بقدرة 1200 ميجاوات لكل منها.
مواصفات المشروع
يتكون مشروع محطة الضبعة النووية من أربع وحدات بإجمالي قدرة 4800 ميجاوات، تعمل بمفاعلات من طراز VVER-1200 من الجيل الثالث+، وهو من أحدث المفاعلات في العالم وأكثرها أمانًا وفقًا للمعايير الدولية التي تعتمدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
وقد حصلت مصر على جميع التراخيص التنظيمية والبيئية الخاصة بالمشروع من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، وتم صب الخرسانة الأولى للوحدة الأولى في يوليو 2022، إيذانًا ببدء مرحلة البناء الفعلي.
شراكة استراتيجية بين مصر وروسيا
يقوم الجانب الروسي بتصميم وتوريد وبناء المحطة النووية، إضافة إلى تزويدها بالوقود النووي طوال فترة تشغيلها، وتقديم الدعم الفني وتدريب الكوادر المصرية على التشغيل والصيانة.
ويعكس المشروع عمق العلاقات المصرية–الروسية الممتدة لعقود في مجالات الطاقة والصناعة، ويُعد نموذجًا ناجحًا للتعاون الدولي في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
أهمية المشروع لمستقبل الطاقة في مصر
يُسهم مشروع محطة الضبعة في تحقيق عدد من الأهداف. الاستراتيجية للدولة المصرية، منها:
تنويع مزيج الطاقة ليشمل مصادر تقليدية ومتجددة ونووية.
توليد كهرباء نظيفة منخفضة الانبعاثات الكربونية تدعم التزامات مصر المناخية.
نقل وتوطين التكنولوجيا النووية في السوق المصرية عبر تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية.
تعزيز أمن الطاقة وضمان استدامة الإمدادات الكهربائية على المدى الطويل.
توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات الإنشاء والتشغيل والصيانة.
الضبعة ورؤية مصر 2030
يتكامل المشروع مع رؤية مصر 2030 التي تضع ضمن أولوياتها تحقيق الاستدامة البيئية والطاقة النظيفة، حيث يُتوقع أن تُسهم محطة الضبعة في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يزيد على 14 مليون طن سنويًا بعد التشغيل الكامل، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر في مؤتمر المناخ COP27 وCOP28.
تصريحات القيادة السياسية
الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد أن مشروع الضبعة “شاهد حي على إرادة الدولة المصرية وعلى عمق التعاون المصري–الروسي، واستثمار حقيقي في مستقبل طاقة نظيفة وآمنة لأجيالنا القادمة”، مشددًا على أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء في مجال الطاقة وتوطين التكنولوجيا الحديثة.
خاتمة
بتسلم وعاء المفاعل الأول، تدخل مصر مرحلة جديدة من تاريخها الصناعي والتقني، وتخطو بثقة نحو أن تصبح من الدول الرائدة في الطاقة النووية السلمية في إفريقيا والشرق الأوسط، لتُثبت أن الحلم الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي بات اليوم واقعًا ملموسًا يُضيء طريق المستقبل.



