الإثنين, ديسمبر 1, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةمقالاتد. محمد سليمان يكتب: حين يُسرق "شبشبك" من المسجد .. وتُسرق معه...

د. محمد سليمان يكتب: حين يُسرق “شبشبك” من المسجد .. وتُسرق معه طمأنينة الروح

 

لم أتخيّل يومًا أن لحظةً بسيطة مثل ضياع “شبشب” في مسجد قد تتحول إلى تجربة إنسانية مُربكة، تختلط فيها الدهشة بالغضب، والضحك بالسخرية، والدعاء بالحيرة. دخلتُ المسجد لصلاة المغرب بثباتٍ وطمأنينة، وخرجتُ منه أبحث بين الأقدام والصفوف والممرات عن شيءٍ كنت أملكه قبل دقائق .. عن “شبشبي”.

مشيتُ أتفقد أماكن الأحذية، أراقب الناس وكلٌ منهم ينتعل حذاؤه ويمضي، وكأن العالم كله يعرف طريقه.. إلا أنا. وقفتُ أمام الرفوف أتساءل: هل أخطأت المكان؟ هل نقلوه؟ هل هو حلم؟ تلمستُ الأرض كأنني أبحث عن أثرٍ يثبت أني لم أتوه. ومع كل دقيقة كان الأمل يتراجع، حتى أدركت الحقيقة: “شبشي اتسرق”.

جلستُ من بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء، بين مصُدّق ومُكذّب، كنتُ أدعو في السجود بإخلاص: “يا رب.. اللي خد الحذاء يرجعه.. يا رب يهديه.”
تعلّقت بدعاء بسيط، دعاء لا يكلف الكون شيئًا.. لكن لم يتحقق.

وحين أذّن العشاء، أدركت أني سأخرج من المسجد حافيًا، أمشي في الشارع أمام الناس بلا شيء يحمي قدميّ، شعور غريب..مزيج من انكسار وهوان ودهشة: كيف يمكن لشيءٍ بسيط مثل شبشب أن يكشف هشاشتنا أمام تفاصيل الحياة؟ ولم أجد أمامي سوى “قبقاب” خشبي من داخل دورة المياه -شيء يشبه ما كان يُستخدم في عصر المماليك- قدّمه لي المسئول عن المسجد ليساعدني على الوصول إلى البيت، ابتسم بحرج وقال لي: “ممكن تستخدمه ورجّعه بكرة.” وكأننا في مسرحية عبثية بطلها الوحيد.. شبشب ضائع.

هذه التجربة فتحت أمامي بابًا أوسع من سؤال الحذاء: أين ذهب ضمير من يسرق من بيت الله؟

كيف يقف شخص بين المصلّين ثم تمتد يده إلى شيء بسيط، لا يساوي ثمنًا ولا يرفع فقيرًا من فقره؟ شبشب يُباع بجنيهات لا تصنع فرقًا… لكنها تخلق لحظة إنسانية قاسية لمن سُرق منه.

الأغرب أن بعضهم يسرق حنفية المياه من المسجد! قطعة معدنية لا تمنح ثراءً ولا تُشبع جشعًا، لكنها تكشف سقوطًا أخلاقيًا يجرح قدسية المكان وروح المجتمع.

القضية لم تكن شبشبًا.. بل كانت صفعة صغيرة توقظنا من وهم أننا ما زلنا نعيش في مجتمع تحكمه قيم ثابتة. سرقة الحذاء من المسجد ليست جريمة مادية فحسب، بل جريمة معنوية تسلب الإحساس بالأمان، وتكشف خللًا أخلاقيًا خطيرًا: أن البعض فقد حتى “ضمير الحرامي”، ذلك الخط الأحمر البسيط الذي كان يجعل السارق قديمًا يتجنب المسجد والفقير والمريض.

ربما كان شبشبي ضحية صغيرة، لكن مشاعر تلك اللحظات كانت كبيرة، وما زلت أتساءل: هل يمكن لشخص أن يدخل بيت الله ويخرج منه بحذاء مسروق وقلب مطمئن؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات