عندما تُذكر كلمة “التوراة”، فإن الذهن العربي العام يستحضر فورًا كتابًا مقدّسًا لبني إسرائيل يحمل بين دفتيه وصايا إلهية وتعاليم روحية، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذا النص في صورته الحالية ليس فقط محلّ خلاف علمي واسع بل يحمل بين طيّاته ما يمكن وصفه –دون مبالغة– بـ”الفضيحة” من حيث التناقضات الأخلاقية والتحريفات النصية، والصراعات السياسية التي تسكنه من الداخل.
وهنا نتساءل:
التوراة.. من وحي الله أم من صناعة الكهنة؟
يعترف حتى عدد من كبار اللاهوتيين اليهود، أن التوراة لم تُكتب دفعة واحدة ولا حتى على يد موسى كما يُشاع. بل ظهرت كنتاج لتراكمات نصية كتبها كهنة وساسة من عصور مختلفة ولأغراض متباينة. يكفي أن نقرأ الأسفار الخمسة الأولى بتمعّن لنجد أنفسنا أمام أكثر من إله وأكثر من رؤية متناقضة للشرائع.
ونفهم من ذلك أيضاً أنها توراة تدعو للإبادة باسم الله.
ربما تكون الصدمة الأكبر هي الطريقة التي تُصوِّر بها التوراة “الإله” كقائد جيوش يحرّض على إبادة الشعوب واغتصاب الأرض وسبي النساء.
ففي سفر التثنية مثلاً يأمر الرب بني إسرائيل بقتل جميع سكان كنعان حيث جاء في النص التوراتي:
” لا تبق منهم نسمة ” ( التثنية ٢٠: ١٦) .
هل يمكن لنص يُفترض أنه مقدس أن يشرعن التطهير العرقي؟ أي وحي إلهي يقبل بأوامر كهذه؟
هنا تظهر “الفضيحة” بكل وضوح: التوراة ليست فقط نصًا دينيًا، بل مشروعًا سياسياً استعمارياً مغطى بغطاء اللاهوت.
وهنا يجعلنا نتساءل أيضا أين التوراة الأصلية؟
الغريب أن اليهود أنفسهم لا يملكون
“نصاً أصلياً” للتوراة. فلدينا:
النص الماسوري (القرن 9م)
الترجمة السبعينية (القرن 3ق.م)
مخطوطات قمران
وكلها تحتوي اختلافات جوهرية في الألفاظ والمعاني مما يفقد النص سلطته الأصلية المفترضة.
“فضيحة التوراة” ليست مجرد تشويه لنص، بل هي دعوة لفتح عيون الناس على أن ما يُقدَّم باسم الوحي يجب أن يخضع للنقد، وأن القداسة الزائفة لا يجب أن تحجب الحقيقة.
ولعلّ ما نشهده اليوم من دعم لجرائم الإحتلال الصهيوني يجد جذوره في هذا النص الذي شرعن العنف وبارك السبي والنهب.
إن نشر هذا النوع من النقد يُعد ” ممارسة فكرية حرة ” مطلوبة في زمن أصبحت فيه الأساطير السياسية تُبنى على نصوص دينية.
فإذا كانت الحقيقة صادمة، فليكن العار على من صنعها لا من كشفها.