ثرثرة في الميدان
بقلم : خالد حسن النقيب
في ذلك اليوم قررت أن أذهب إلي هناك, كنت أريد أن أعيش في أجواء الثورة في مهدها الأول, أقف حيث كان شهيدا, أو أسمع الهتافات تدوي في الميدان من جديد.
في الطريق احتلتني أسئلة حاولت البحث لها عن اجابة.. هل فعلا ما أشبه اليوم بالبارحة.. الناس هم الناس.. الهتافات هي الهتافات.. هل يمكن أن يكون الهدف واحد…؟!
ها أنا في الميدان.. الزحام شديد.. إحساس مختلف يجتاحني .. رائحة الثورة مازالت تعبيء المكان تماما كما كانت في إرهاصاتها الأولي منذ عامين.. الوجوه نفس الوجوه.. الهتافات.. روح الثبات حتي من يحملون الرايات.. كل شيء كما هو.
توقفت لحظة أستفيق فيها لعل الزمن توقف منذ عامين ولم يمض بنا ما مضي.. أو لعلي لم أغادر بيتي للميدان ومازلت في فراشي بين النوم واليقظة.. أرقب الموقف من خلال التليفزيون.. ولكنه الواقع الذي أعيشه الآن.. أنا لا أنظر من بيتي.. بل أري وأحس بمن حولي.. وأشم رائحة الثورة.
بالقرب مني كان يقف شاب يمعن النظر في.. خفت أن يكون من المكلفين بحماية الميدان من الدخلاء ويظن بي الظنون فبادرت أنا بالحديث اليه.. سألته إن كنت فعلا في صحوي ولم يتوقف بي الزمن عامين كاملين وإذا به يشخص إلي بقوة ويقول الثورة مازالت مستمرة.
وبفطرية غير مفتعلة سألته.
وأين كانت منذ عامين؟
ضاق بي الشاب وكاد يفرغ في ما تبقي في صدره من غضب ولكنه فضل أن يمنح آخرين هذا الشرف وراح يهرول وهو ينادي تارة بالحرية وأخري بالقصاص.
وزادت حيرتي وتعالت بداخلي تساؤلات ملغزة.. ماذا عن تلك الطوابير الطويلة التي وقفت فيها طويلا ظنا مني أني أمارس حقي في الديمقراطية لأول مرة.. وأنتخب رئيسي كيفما أشاء.. وأرسم بصوتي لوحة تعبيرية جميلة لمستقبل هو بارادتنا.
أين ذهب كل هذا ؟.. هل تاه وسط هذا الصخب وأصوات الهتافات التي لم تنقطع أبدا.. هل وهل ……!!
وشيء من دهشة فرض سيطرته علي وعيي.
لم أكن خارج الدنيا كل هذه الأيام.. وعشت الحلم واحتسيت الأحلام حتي ثملت بالحرية فماذا جري؟
هل كان الشراب مغشوشا.. هل تبدلت الحرية لشيء آخر غير الحرية التي نعرفها؟
قد يختلط الأمر في أمور كثيرة ولكن هل تختلط الحقيقة بالزيف.. هل يلبس الباطل ثوب الحق فتتواري الملامح الحقيقية للصورة وتأخذ ملامح باهتة,, متداخلة لا تشي بمعني؟
ربما كان ذلك كله و….!!
وعلي أن أتمالك نفسي وأعود من حيث أتيت لأنقذ ما تبقي لي من عقل وأسترد شيئا من وعيي قبل أن تضيع من رأسي كل الثوابت .. استدرت وهممت بالرحيل ولكن شيئا ما وقع.. الكل يسرع الخطي في اتجاهات مختلطة.. أصوات مذعورة.. وأخري تندد وتتوعد
.. الأصوات في الميدان اختلطت وباتت أشبه بزئير الأسد الذي يشعل القلوب خوفا.. لم أستطع إدراك ما يحدث فهرولت كما يهرولون.. أطلقت ساقاي للريح ولم أتوقف إلا أمام أحد المقاهي وقد تجمع الناس حول التليفزيون… اقتربت تطلعت بفضولي الخائف وبنفس درجة الرعب في عيني حاولت أن أصدق ما أري فعمي عقلي وعجز عن الرؤية أو الفهم.
المشهد في التليفزيون غريب.. صورة رجل عار.. جنود تسحله في الشارع.. الأصوات المنددة بالتحرير تقترب وتقترب حتي باتت تصم الآذان.. حاولت لملمة عقلي وأطلق ساقاي للريح مرة أخرى هربا من غفلتي ولكني فشلت.. ذاب المقهي في أصوات الميدان وشيئا فشيئا أحاطت بي الأصوات الصاخبة وابتلعتني….!!