في القاهرة حيث تتقاطع أنفاس التاريخ مع خطوات العلم، وحيث تظل الأهرامات شاهدة على رحلة الإنسان في البحث عن الخلود، وُلدت لحظة فارقة تشبه الشرارة الأولى التي تسبق ميلاد فجر جديد. لحظة يتقاطع فيها الشرق والغرب، المعرفة والسعي، الأمل والإرادة. هناك، في قاعات مؤتمر ONTiC، لم يكن الحديث عن سرطان الرئة مجرد نقاش طبي، بل كان إعلانًا عن تحوّل عميق في خريطة الطب، يليق بوطنٍ قرر أن يفتح أبواب المستقبل على مصاريعها.
في ذلك الصباح، تقدّم العلماء بخطوات راسخة، يحملون على أكتافهم أحلام المرضى، وأسئلة الباحثين، وقلق العالم كله من مرض لا يرحم. وكانت المفاجأة حدثًا وصفته أ.د. علا خورشيد بأنه “خطوة تاريخية”: بروتوكول تعاون بين المعهد القومي للأورام وجامعة ولاية أوهايو، أول جسر مباشر يربط بين المعرفة المصرية والخبرة الأمريكية في مجال الأورام. كأن العالم قد أدرك أخيرًا أن مصر ليست مجرد متلقٍ للعلم، بل شريك قادر على صنعه وإعادة صياغة حدوده.
كانت القاعة تموج بطاقات لم تُرصد في المعامل، طاقة من الأمل العلمي، ومن الحوار العابر للقارات، ومن رغبة حقيقية في إعادة كتابة مستقبل علاج سرطان الرئة؛ مستقبل يتجاوز حدود الإمكان، ويقترب من الحلم.
وهكذا، لم يكن المؤتمر مجرد حدث… بل كان قصيدة علمية تُروى سطرًا بسطر، يكتبها الرواد، ويمضي بها الباحثون الشباب، وتُهديها مصر للعالم، شهادة على أن هذا الوطن حين يقرر أن يسابق الزمن، فهو يعرف تمامًا كيف يصل.
قالت ا.د علا خورشيد أن المؤتمر شهد توقيع بروتوكول تعاون بين المعهد القومي للأورام جامعة القاهرة وجامعة ولاية أوهايو، وهو أول شراكة مباشرة بين جامعة مصرية وجامعة أمريكية كبرى في مجال الأورام
يعكس هذا التعاون أهمية تعزيز البحث العلمي والتدريب الأكاديمي والتبادل المعرفي بين مصر والولايات المتحدة، حيث يتيح نقل أحدث الممارسات العالمية إلى مصر والمنطقة، ويدعم تطوير برامج تعليمية وبحثية مشتركة، ويعزز قدرة مصر على توطين الطب الدقيق في علاج أورام الرئة
أبرزت أ.د. علا خورشيد أن هذه الاتفاقية تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز التعليم والتدريب السريري وتطوير الأبحاث التطبيقية، بما يساهم في تقليص الفجوة بين التقدم العلمي والتطبيق العملي في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
أكد أ.د. حسين خالد، وزير التعليم العالي والعميد الأسبق للمعهد القومي للأورام، أن السجل القومي يمثل حجر الزاوية لجميع استراتيجيات التطوير الصحي، لما يتيحه من إمكانية الرصد الحقيقي للمرض ونتائج العلاج على مستوى الدولة وتحديد حجم الأورام في مصر
قال أن جلسة إعلان القاهرة حول السجل المصري الوطني للأورام شهدت نقاشًا طويلا حول ضرورة إنشاء منصة رقمية وطنية شاملة للبيانات الصحية كأساس للتخطيط المبني على الأدلة وصنع القرار الاستراتيجي
ودعا ا.د حسين خالد إلى إطلاق مبادرة رئاسية قوية للوقاية من المرض عبر الحد من التدخين ومحاربة مسبباته،محذرا من التدخين بكل أشكاله. وبشكل خاص السجائر الإلكترونية والشيشة، لأن حجر واحد من الشيشة يساوي تدخين 70 سيجارة، وهو ما يضاعف خطورة الإصابة بسرطان الرئة طالب بترسيخ التوعية الصحية للأطفال بالمدارس
شدد على ضرورة تطبيق جميع محاور الاستراتيجيات العالمية والوطنية لمكافحة الأورام على سرطان الرئة، بما يشمل الوقاية، والاكتشاف المبكر، والتشخيص الدقيق، والعلاج المتكامل.”
قال إن علاج سرطان الرئة يشمل الجراحة والإشعاع والأدوية، والعلاجات المناعية والموجهة التي تمثل تطورا كبيرا في تحسين نتائج المرض، ورغم ارتفاع تكلفتها فإن الدولة تسعى لإتاحتها عبر التأمين الصحي الشامل.”
اكد أ.د. تامر حفناوي، الأمين العام للمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية والإكلينيكية
أن تطوير بيئة البحث الإكلينيكي يمثل خطوة محورية لتسريع وصول المرضى إلى العلاجات الحديثة وتحقيق العدالة البحثية والعلاجية على المستوى الإقليمي
سلط الضوء على الأبحاث المتعلقة بـالطب الشخصي في علاج سرطان الرئة (العلاج الموجه والمناعي بناءً على الخصائص الجزيئية للورم
قالت أ.د. نادية زخاري، وزيرة البحث العلمي الأسبق،
أن الوقاية والكشف المبكر لا يزالان يمثلان أعلى الأولويات في مكافحة سرطان الرئة
شددت على أن الوقاية في المراحل المبكرة للمرض يمكن أن تحقق معدلات شفاء عالية جداً، تصل إلى 90%.
هذه النسبة تؤكد أن العامل الحاسم في النجاة هو التشخيص في مرحلة مبكرة جدا
طالبت بضرورة تطبيق برامج توعية ومسح
وطنية تستهدف بشكل خاص الفئات الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة، وعلى رأسها المدخنون
وسلطت د. زخاري الضوء على التطورات الحديثة التي لحقت بطب الأورام للصدر والرئة والتوجه العالمي الجديد في علاج سرطان الرئة، والذي يعتمد على
الفحص لفهم التركيب الجيني لكل ورم بدقة والعلاج الموجه
الذي يستهدف الطفرات الجينية المحددة في الورم، بدلاً من الاعتماد على العلاج الكيميائي العام فقط لضمان أهلي فرللعلاج والشفاء
كما تحدثت ا.د. آن ماري دينينغه، مديرة المنظمة الأوروبية لأبحاث وعلاج السرطان.
عن تطوير البحث الإكلينيكي وتطوير التجارب الإكلينيكية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مع التركيز على تصميم الدراسات، التحديات التنظيمية، واستراتيجيات بناء شبكات تجارب إقليمية
كما تحدثت عن أهمية بناء شبكات بحثية قوية بين المراكز الأوروبية والشرق أوسطية لتبادل الخبرات وتوسيع نطاق التجارب السريرية.
مع ضرورة توحيد المنهجيات البحثية
والتركيز على التجارب السريرية المبتكرة التي تتيح استجابة أسرع للنتائج وتحسين خطط العلاج .
تحدث أ.د. عماد حمادة، مدير المبادرة الرئاسية للفحص المبكر لسرطان الرئة في مصر، عن الرؤى العملية لتطبيق برامج الفحص الوطنية وبناء القدرات البشرية، مع توفير الدعم المؤسسي والسياسي، وضمان التكامل مع سياسات مكافحة التبغ والتوعية المجتمعية
أوضح ا.د يسري رستم أستاذ طب علاج الأورام بجامعة الأسكندرية
أنه تم استحداث طرق جديدة لعلاج سرطان اورام الرئة بالعلاجات الذكية ، مما يزيد من الخيارات العلاجية أمام الأطباء والتي تعد ثورة حقيقية في العلاج والشفاء وإطالة عمر مرضي أورام الرئة خاصة مع التطور السريع فى الطرق الجراحيه ودخول أجهزه إشعاعية بالغة التعقيد وشديدة الدقة فى استهداف الاورام الخبيثة والقضاء عليها وكذلك ظهور الجيل الثانى من العلاجات الموجهة التى تعتبر ثورة حقيقية .
اكد ا.د ديفيد كاربون أستاذ علم الأورام بجامعة أوهايو ومدير مركز جيمس للصدر على أهمية فهم البيولوجيا الجزيئية لسرطان الرئة وكيف أدى ذلك إلى ثورة في خيارات العلاج مشيرا الي
ان العلاج المناعي احدث تحولا حقيقيا في علاج سرطان الرئة المتقدم، ومكننا من إطالة فترة بقاء المرضى. لكن التحدي الحالي يكمن في وجود بعض المرضى الذين لديهم مقاومة مكتسبة
قال إن الاستراتيجية الواعدة لمواجهة ذلك هي المزج بين العلاجات المناعية المختلفة أو إضافة علاجات أخرى لتحقيق استجابة اكبر
شدد على أن الفحص الجيني الشامل للورم أصبح خطوة أساسية قبل البدء في العلاج لأنه يساعد في تحديد الطفرات الجينية .
بينما قال ا.د كريستيان رولفو رئيس مركز الأورام الطبية في مركز آرثر جيمس الشامل جامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية
أن العلاج المناعي والعلاج الموجه غيّرا خريطة علاج سرطان الرئة جذريًا
مؤكدا علي الأهمية المتزايدة لـ الخزعة السائلة
حيث أنها تمثل “نقلة نوعية” في التشخيص والمتابعة
وأشار رولفو في كلمته إلى أن هذه التقنية غير الجراحية، التي تعتمد على تحليل الحمض النووي للورم في عينة دم بسيطة، باتت أداة حاسمة في
اختيار العلاج الموجه
وتحديد أدق للطفرات الجينية لضمان فعالية العلاج الشخصي مشيرا الي انها تكشف عن تغيرات الورم التي قد تجعله مقاوماً للأدوية الحالية
في ختام المؤتمر تم تكريم الرواد في مجال طب الأورام الذين ساهموا في تطوير طب الأورام المصري وإطلاق جيل جديد من الباحثين
ا.د مصطفي الصرفي أستاذ علاج طب الأورام ورئيس السابق للجمعية المصرية للأورام ا.د. حمدي عبد العظيم أستاذ طب علاج الأورام بمعهد الأورام القومي
أ. نادية مختار أستاذ ورئيس قسم الباثولوجي السابقة بمعهد الأورام د. هدي عبد الباقي أستاذ العلاج الأشعاعي بمعهد الأورام كما أعلنت د. علا خورشيد رئيسة المؤتمر عن إطلاق جائزة الباحثين الشباب باسم أ.د. رباب جعفر تكريمًا لإسهاماتها ودعمًا لجيل جديد من الباحثين والمبتكرين في مجال سرطان الرئة



