بقلم الدكتور : علاء المهدى
ـ خبير الاستيراتيجيات الصحية
عانى شعبنا ومازال يعانى من عدم رضائه على حال مستشفيات مصر كلها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها برغم أن مستشفيات مصر كانت تضاهى أرقى مستشفيات انجلترا لدرجة أن أطباء انجلترا كانوا يأتون للتدريب بها على أيدى أطبائنا المصريين وذلك ايام العهد الملكى فى الثلانيات والأربعينيات من القرن الماضى واستمر احترام العالم كله لأطبائنا ومستشفياتنا حتى وقت قريب من أربعين سنة تقريبا وصار حال أطبائنا ومستشفياتنا لا يسر أحدا قريبا كان أو بعيد وصارت المستشفيات المصرية مثالا للإهمال والأمثال لدرجة قول أحدهم عنها أن الداخل مفقود والخارج منها مولود ……. وبرغم امتلاك مصرنا الحبيبة لبنية تحتية للمتستشفيات تقدر بـ 530 مستشفى تقريبا بخلاف وحدات الرعاية الأولية وتقدر بـ 5000 وحدة رعاية أساسية إلا أن سوء الاستخدام وسوء الصيانة الدورية وسوء التخطيط السليم جعلها أقرب للخرابات منها للمستشفيات وفى ظل تنوع غريب من مسميات تلك المستشفيات لايوجد فى بلد فى العالم مثل مستشفيات وزارة الصحة ومستشفيات المؤسسة العلاجية ومستشفيات التأمين الصحى والمستشفيات التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات التابعة مباشرة لديوان عام الوزارة ومستشفيات أخرى تحت مسمى مستشفيات التكامل ثم مستشفيات جراحات اليوم الواحد .
هذا بخلاف المستشفيات الجامعية التابعة لكليات الطب التابعة لوزارة التعليم العالى …. هذا بخلاف المستشفيات التابعة للجيش والشرطة والكهرباء والنقل العام والسكة الحديد والبترول والانتاج الحربى وغيرها …..هذا بخلاف المستشفيات التابعة للنقابات المهنية مثل الزراعيين والتطبيقين والمعلمين وغيرها…. كل تلك المستشفيات تحت كل تلك المسميات وكلها حكومية بخلاف المستشفيات التابعة لمنظمات المجتمع المدنى مثل التى للمؤسسات الإسلامية أو المسيحية أو غيرها بخلاف المستشفيات الخاصة بأنواعها الفندقية وغيرها ……. !!
وتصوروا كل هذا الكم من المستشفيات بمصرنا الحبيبة وحال الصحة بهذا الشكل المفزع والشنيع والذى يتدهور من سئ إلى أسوأ ومازلت حتى الآن لا أعلم قيمة تلك المسميات وتحت كل مسمى قوانين خاصة لإدارة هذا الكيان فالذى يتم تطبيقه على مستشفيات وزارة الصحة لاينطيق على مستشفيات المؤسسة العلاجية ولاينطبق على مستشفيات التأمين الصحى ولاينطيق على المراكز الطبية المتخصصة وهكذا برغم كونها تابعة لوزارة الصحة فمابالك بالمستشفيات الأخرى التى لاتتبع وزارة الصحة وتتبع وزارات أخرى والتى لها قوانين مختلفة نهائيا وفى الآخر نتساءل لماذا حال الصحة بمصر بهذا الشكل وهذا المستوى السئ وأنا هنا أتكلم عن النظام الصحى كله ولايمنع من كون بعض المستشفيات تتمتع بمستوى طبى معقول ومتميز وهى التى تطبق بها معايير الجودة الصحية مثل مستشفى دار الشفا أو معهد ناصر والهرم وبعض مستشفيات المراكز الطبية المتخصصة وغيرها …..ولكن تظل فى النهاية غير مؤثرة فى تحسين مستوى المنظومة الصحية بالكامل …..
لابد أن نتساءل جميعا ما الذى ينبغى فعله لاصلاح المنظومة الصحية بالكامل حتى نرى مستوى مستشفياتنا كلها فى مستوى واحد ومطابق للمعايير الدولية من تقديم الخدمة الصحية المطلوبة ؟
والبداية تكون فى إلغاء كل تلك المسميات من مسميات المستشفيات وأن تنضم كل المستشفيات تحت اطار واحد وتحت قانون واحد لتنظيم العمل بها ووضع آليات عمل حاكمة نستطيع من خلالها متابعة ومراقبة نشاط وعمل تلك المستشفيات الحكومية ولايحدث أى تضارب بينها كما هو حادث الآن وأن تتجمع كل تلك المستشفيات تحت مسمى هيئة المستشفيات المصرية وأن تكون هيئة مستقلة تماما تدير شئونها من خلال آليات محددة وقواعد عمل محددة طبقا لمعايير الجودة الدولية المطبقة فى كل العالم وأن تكون وزارة الصحة هى الجهة المنوط بها وضع تلك الآليات وتعمل على تطوير المنظومة الصحية كلها من خلال تغيير الاستيراتيجيات العامة للمنظومة الصحية وأن تكون جهة المتابعة والمراقبة لتلك المنظومة .
ونبعد نهايئا عن تضارب الاختصاصات وازدواجية المصالح وخاصة ونحن مقبلين على تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل والذى يحتاج إلى بينية أساسية متكاملة وإلا صار بلا معنى وبلا هدف وكأننا ننتقل من حالنا الحالى إلى نفس الحال ولكن بشكل مختلف ققط ..!!
ايها السادة اصلاح منظومة الصحة ضرورة قصوى وقضية أمن قومى بالفعل وليس مجرد شعارات أو هتاف نتغنى به وكفانا شعارات وكلمات رنانة وجوفاء بلا معنى ….. !!
إن شعب بلا صحة وبلا رعاية صحية وبلا وقاية من الأمراض شعب عاجز عن أى تنمية وعن أى تقدم أو رقى أو نهضة أو تحضر .
هل نستيقظ ونفيق مما نعيش فيه من المسكنات فى حل أزمات الصحة ونعمل على حل الأزمة بتخطيط حقيقى ووضع الاستيراتيجيات الصحية السليمة .
وبالمناسبة تم وضع العديد من الاستيراتيجيات الصحية ولكن للأسف لم تكن إرادة سياسية لتنفيذها ولكن أعتقد أنه أصبح هناك إرادة سياسية الآن لحل حقيقى تجاه أغلب الأزمات التى نمر بها وليس لدينا أى وقت آخر لنضيعه فى مؤتمرات وورش عمل واجتماعات وغيرها .
نحن الآن أمام لحظة تاريخية لتغيير الواقع الأليم الذى نعيشه من خلال تغيير المنظومة الصحية حفاظا على صحة المصريين وحبا وعشقا لتلك البلد الجميل الرائع والذى يستحق أن نضحى لأجله بكل شئ للنهوض به وتحويله إلى بلد الحضارة كما كان طوال عمره المديد … اللهم احفظ مصرنا الحبيبة .