الأحد, ديسمبر 7, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةرياضةالمعلم والمهندس حكاية دم لا تُنسى| عباس بطل اللحظة وضحية الدقائق التالية يتبرع...

المعلم والمهندس حكاية دم لا تُنسى| عباس بطل اللحظة وضحية الدقائق التالية يتبرع بدمه لإنقاذ شحاتة ويسقط مغشيا عليه

كانت الغرفة البيضاء في المستشفى تزدحم بالصمت أكثر مما تزدحم بالأجهزة. وعلى السرير كان الكابتن حسن شحاتة مستلقيًا، بملامح رجل أرهقته الأيام، لكن بقي في عينيه ذلك البريق القديم… بريق مدرب يعرف معنى الصبر ويعرف كيف يُولَد الأمل من قلب الهزيمة.
كانت حالته الصحية تحتاج إلى نقل دم سريع، وقد بدا على الأطباء القلق الذي حاولوا إخفاءه خلف ابتسامات متوترة.

وفي تلك اللحظة، وكأن القدر قرر أن يكتب سطرًا مختلفًا، دخل ممدوح عباس دخل بهدوء لكنه ملأ المكان بحضوره، كعادته دائمًا. لم يكن مجرد زيارة عابرة؛ كان يحضر كما يحضر الصديق حين يشعر أن صاحبه يحتاجه دون أن يطلب.

اقترب من السرير، وضع يده على كتف حسن شحاتة وقال:
“يا معلم… الدم اللي يجري فيك ده شرف لأي حد يشاركك فيه.”

علاقة الرجلين تمتد لسنوات ليست بالقليلة. علاقة احترام قبل أن تكون صداقة، علاقة صنعها الملعب وصقلها الزمن؛
مرّة وقف حسن شحاتة بجوار ممدوح عباس في أصعب أوقاته، ومرّة أخرى دعم عباس قرارات “المعلم” حين شكّك فيها الجميع.
كان كل منهما يعرف من الآخر ما يكفي ليجعل الكلمة بينهما أغلى من أي توقيع أو عقد أو وعد.

حين قال الطبيب إن الكابتن بحاجة إلى كيس دم، التفت عباس فورًا، كمن يعرف أن دوره قد حان:
“أنا هتبرع… خدوه من دمي.”

لم ينتظروا. جلس على المقعد، مد ذراعه، وظل صامتًا.
وفي داخله ذكرى تجمعهما:
صورتهما وهما يتجادلان بحماس على دكة البدلاء، ودموعهما المختبئة في نهائي أمم إفريقيا، وضحكاتهما التي حملت صخب الملاعب وزخم الصحافة.
كل هذا مر أمامه كفيلم قصير بينما الدم يسري من عروقه لينقذ صديق العمر.

وبعد ساعة، بدأ وجه ممدوح عباس يشحب، وبدأ جسده يرسل إشارات تعب لم يستطع إخفاءها.
قال أحد الأطباء:
“حضرتك لازم تستريح فورًا.”

لكن عباس ابتسم ابتسامة خفيفة، كمن يريد أن يقول: “ده أقل واجب.”
إلا أن جسمه لم يحتمل، فبدأ يشعر بدوار يُسلم رأسه إلى الغيوم.

عندها حدث المشهد الذي لا يحدث إلا في الحكايات:
دخل الأطباء إلى غرفة الكابتن حسن شحاتة، طلبوا منه أن يجلس للحظات على الكرسي بجوار السرير، ثم أسرعوا ليمسكوا بممدوح عباس وينيمونه مكانه.
لم يكتفوا بمدّه بالسوائل؛ بل اضطروا لنقل كيسين من الدم له، ليعوضوا ما فقده حين أصرّ أن يمنح صديقه الحياة.

نظر حسن شحاتة إلى عباس وهو على السرير، وقال له بصوت يمزج السخرية بالمحبة:
“إنت جيت تطمني… ولا تطمن نفسك؟”
فضحك عباس رغم الإرهاق:
“يا معلم… طالما إنت بخير، الدنيا كلها بخير.”

كان المشهد أشبه بلوحة إنسانية نادرة:
رجل منح دمه لصديقه، وصديق استيقظ من مرضه ليَرَى أن الذي جاء يطمئن عليه أصبح هو المحتاج إلى العناية.
علاقة قلبين لا يعرفان معنى الحسابات أو الحدود… علاقة تُثبت أن بعض الصداقات تُكتب في كتاب القدر قبل أن تُكتب في سجل الذكريات.

وهكذا…
عاد الدم إلى صاحبه مضاعفًا، وعاد الدفء إلى الصداقة وقد ازداد رسوخًا.
وبقيت الحكاية شاهدًا على أن الإنسان حين يعطي بصدق…
لا يخسر شيئًا، بل يربح أكثر مما تخيّل.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات