أجرت الحوار – أمنية حجاج
-
يتميز بأسلوبه الراقى البديع الذى ينساب فى عذوبة ورقة كالماء.
- أشعار كامل الشناوى تحملنى إلى عوالم بعيدة فى الواقعية الشعرية.
-
لا أحد يتمنى أن يعيش زمن الحروب، وأن يرى نتائجها.
الدكتور رفيق الرضى، شاعر غنائى يمنى له عدة دواوين منها «ظل و رُوح»، «راعِــى الـذٌّود» فى ثلاثة أجزاء، و«ما بعد الغروب»، «شواطئ الذكريات»، وكتاب «الإيجابية بعد الفشل» إضافة إلى كتاب «التراث الموسيقى اليمني»، وهو يتميز بأسلوبه الراقى البديع الذى ينساب فى عذوبة ورقة كالماء. فى رصيده الإبداعى مسارات متنوعة من الشعر والكتابة والصحافة، وإدارة الأعمال والنشر والترجمة . وهو فى كل ذلك يسهم إسهامات ضافية تُسجل فى أعماله الابداعية.
حدثنا عن الشعر والأدب، عن نشأته وأهم الشعراء المؤثرين فى مسيرته، عن اليمن ومآسى الحروب، حيث قال: «يتمنى الجميع أن تتوقف الحرب عدا قلة مستفيدة من تجار الحروب هم من يشبون نارها ويؤججون لهيبها».. فإلى نص الحوار:
بداية.. حدثنا عن البدايات والمؤثرات التى لعبت دوراً فى توجهك إلى الشعر.. ومن هم الشعراء الذين كانوا مصدر إلهامك؟
أغرمت بقصائد الدكتور عبدالعزيز المقالح، وتفرده على المستوى الإنسانى والأدبى، كان ظاهرة قل أن تتكرر، كان حاضراً فى ثورة 26 سبتمبر 1962 التى ساهمت مصر فى الدفاع عنها، لذا جاءت قصائده لتفتح نافذة للنور، وتزيل كآبة الماضى، وتمهد الطريق لآفاق جديدة فى كتابة القصيدة. واستمعت كثيرا لقصائد عبدالله عبدالوهاب نعمان الغنائية، وذهبت بعيدا مع أغانى المطرب الكبير أبوبكر سالم وكلمات الشاعر حسين المحضار، ومن مصر أخذتنى كلمات الشاعر كامل الشناوى إلى عوالم بعيدة فى الواقعية الشعرية.
لماذا أخترت كتابة الشعر فى زمن يراه البعض زمن الرواية والصورة.. ألم يكن الاختيار مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
لم أختر كتابة الشعر، بل اخترت تجسيد الصورة ورواية الحدث فى قصيدة شعرية، لذا تجدين الصورة الشعرية ظاهرة فى كتاباتى التى تنحو تجاه البساطة والتلقائية، فى حرية لا تمنعها قيود اللغة أو المعنى، وتلقائية تجعل بعض المتلقى يستغرب من وضوح الفكرة وبساطتها. أنا مغرم منذ الطفولة بقراءة الروايات، لكننى لم أدخل مجال كتابة الرواية ربما تهيبا من الأمر، ولكونها تحتاج وقتا وتفرغا لا أمتلكهما حاليا، بينما أجد القصيدة حاضرة بفكرتها وشخوصها فى لحظات عابرة، قد لا أفكر وقتها بكتابة القصيدة التى عندما تأتى لا أملك إلا تدوينها. فى الوقت الراهن، تبدو الرواية سائدة ولها حضور قوى لدى القارئ العربى، ولكن الشعر يمتلك عناصر لا تمتلكها الرواية ومن ذلك الحضور فى ذاكرة الأجيال القادمة، ولا شك فى أن من أسباب خفوت الشعر، تزاحم الشعراء وسهولة كتابة قصيدة معينة قد تحقق الشهرة لصاحبها، بينما تحتاج الرواية إلى تمكن من اللغة وثقافة واسعة، وهذا فى نهاية الأمر كان له الأثر البالغ فى كساد سوق الشعر، لذا من الصعب أن تجدى دار نشر تطبع أعمال شعرية لشاعر كبير، بينما تتسابق دور النشر على نشر الروايات الجديدة.
حدثنا عن ديوانك الأخير «عن سمائى لم تغب»؟ ولماذا جمعت فيه بين الشعر الفصيح والشعر النبطى؟
ديوان (عن سمائى لم تغب) جمعت بين القصائد الغزلية، والروحانية التى أكتبها لأول مرة، لا أجزم بأن الديوان يطرح تجربة إبداعية كاملة، لكنه توثيق لتجربة وجدانية تتضمن جوانب إبداعية فى محتواها ومفرداتها ومعانيها. أما بخصوص، الجمع بين الشعر الفصيح والنبطى فى الديوان، فهو كسر للقالب الذى يحاول البعض فرضه على الشاعر للكتابة بطريقة محددة أو ضمن قوالب شعرية تعتبر مسلمات فى الشعر العربى الفصيح. وجهة نظرى تتمثل ببساطة فى حيوية القصيدة وروحها، ولا شك فى أن القصيدة التى تفتقد إلى الروح لن تستمر طويلا مهما كانت ملتزمة بالقوالب الشعرية التقليدية، لذا أدع القصيدة تحلق بى نحو عالمها، ولا أختار كتابة الشعر الفصيح أو النبطى أو قصيدة النثر، بل أترك نفسى للقصيدة لتقرر ذلك. وإن هناك قصائد خرجت عن النمط التقليدى لكتابة القصيدة الفصيحة أو النبطية، بل جمعت فى بعضها بين القصيدة الفصحى، النبطية وقصيدة النثر.
رغم دواوينك المتعددة إلا أن لك كتابا مهما فى توثيق التراث اليمنى الموسيقى.. ما الذى يمثله هذا الكتاب فى مسيرتك؟
أعتبر كتاب «التراث الموسيقى اليمني» إضافة مهمة فى مسيرتى الأدبية، سعيت من خلاله إلى إبراز الأغنية اليمنية وتوثيقها فى مشروع أمل أن يرى النور أتمكن من خلاله ومعى عدة باحثين ومهتمين من توثيق الأغنية اليمنية قديما وحديثا بشعرائها، وفنانيها وملحنيها، كون الأغنية اليمنية تركت أثرا كبيرا على مسار الأغنية العربية والخليجية منها بالتحديد. وأعتبر الكتاب رسالة تواجه التطرف وتهدف إلى الحفاظ على ما وصلنا إليه من إبداع علينا البناء عليه ونقله للأجيال القادمة، كما أعتبر الكتاب رسالة تواجه العنصرية من خلال نقل ما واجهه عدد من الفنانين والفنانات خلال مشوارهم الفنى من مضايقات وتعرض بعضهم للتخلى عن قريته هربا من وصمة المجتمع وما اعتبره البعض عارا بحق القبيلة كون أحد أبناء القبيلة أو بناتها يردد الغناء.
كيف يؤثر الشعر فى واقع الحرب والدمار وسوداوية الواقع على مزاجك ونتاجك الشعرى؟ إلا تشعر بالإحباط أم أن الحرب توفر مادة خصبة لقول الشعر؟
لا أحد يتمنى أن يعيش زمن الحروب، وأن يرى نتائجها، ولا شك فى أن العقدين الماضيين كانا الأسوأ على الشعب اليمنى وخاصة الأطفال والنساء، ومن نتائجها أن ازدادت الأمراض النفسية بشكل كبير، بل تضاعفت عدة مرات خلال الحروب، ناهيك عن فقدان الأرواح والممتلكات. عندما تخرج من بيتك لا ترى سوى الحزن والكآبة يرتسمان على وجوه الجميع، تقرأ فى أعينهم الحيرة والانكسار، يتمنى الجميع أن تتوقف الحرب عدا قلة مستفيدة من تجار الحروب هم من يشبون نارها ويؤججون لهيبها. كل هذا الحزن والإحباط يبدو جليا فى كتاباتى، حتى إننى عاجز عن كتابة قصيدة تتضمن البهجة والفرح، فمعالم الحزن ظاهرة فى كلماتى، واليأس والحيرة والأسى فيما سطرته فى دواوينى. أتمنى أن تتوقف هذه الحروب، لأشعر بالطمأنينة والسكون فيمن حولى، أخاف من التعبير عن الفرح، مراعاة لمشاعر الآخرين، وأخاف من التعبير عن الحزن خوفا من تراكم أحزانهم. أكتب الشعر عندما أشعر بحالة شديدة من الحزن، وأتمنى أن تتوقف الحرب لأتوقف عن كتابة الشعر.
هناك تجارب يمنية صادحة فى الشعر مثل تجربتى البردونى والمقالح هل هما يمثلان مدرستين أم أن المدارس الشعرية فى اليمن لها وجهات أخرى؟
يعتبر الشاعر عبدالله البردونى والشاعر عبدالعزيز المقالح.. ظاهرتان متفردتان فى عالم الشعر والأدب والثقافة اليمنيين. اجتمعا فى أفكارهم الثورية ضد الإمامة بما حملته من جهل وتخلف واستبداد، وتمكن كلا منهما من تأسيس مدرسته الشعرية الخاصة. تنبأ الشاعر البردونى فى قصائده بما نعيشه اليوم فى اليمن، كانت تسكنه هواجس وقلق من سير اليمن نحو المجهول، وكان ببصيرته مدركا لما ستئول إليه حال اليمن اليوم، رغم فقدانه البصر. وكان الدكتور عبدالعزيز المقالح مدرسة احتضنت الأدباء والشعراء والمثقفين، استطاع من خلال عمله الأكاديمى ولاحقا عمله فى مركز الدراسات والبحوث من إيصال أفكاره إلى آلاف اليمنيين ممن ينشدون عالما جديدا سواء فى الحياة اليومية أو فى الحياة الشعرية. وتعرض الدكتور المقالح لحملة شديدة شنها عليها المتطرفون وتعرض للتكفير، لكنه رغم ذلك كان حريصا على التحذير من أعداء الجمهورية وكان يتبنى الأفكار الحداثية فى كتابة القصيدة.
بإيجاز، تفرد البردونى فى تنبؤاته بما ستئول إليه حالنا اليوم، ولم تنجح توسلات الدكتور المقالح فى الحفاظ على مكتسبات الجمهورية وأهمها محاربة الجهل والأمية، ولا شك فى أن فى هذا ما يدلل على أن الشاعر برؤيته وبصيرته قادر على قراءة واستشراف المستقبل، مع الإقرار بعجز الشاعر عن تغيير الكثير من الأمور.
اليمن الوطن المعنى المنكوب فى نخبته السياسية والمثقل بصراعات طويلة منذ سنوات طويلة كيف حضر فى شعرك؟
أتجنب الحديث عن الشأن السياسى رغم أننى متابع لكل ما يجرى فى اليمن، ومرد ذلك إلى فقدان الثقة فى النخبة السياسية، كونها من أوصلت اليمن إلى ما يشهده اليوم من صراعات وحروب. أسعى إلى خلق مساحة مشتركة والعمل على ما يجمعنا كيمنيين بعيدا عن الخلافات الحزبية والمناطقية والمذهبية. أكتب للمحبة وللسلام وللعيش المشترك فى تسامح، كون الوطن للجميع ولا يحق لأحد المزايدة على أحد فى محبته لليمن أرضا وإنسانا.
أكتب عن صنعاء باعتبارها محبوبتى الأولى والأخيرة، وصنعاء بالنسبة لى تمثل كل اليمن لما عرفته صنعاء من تسامح على مر القرون الماضية. لذا تجدين مشاعر الأسى والحزن تغلبت على مشاعر الفرح والسعادة فى قصائدى، وذلك انعكاسا لما يشهده اليمن من صراع، وما أنا إلا مواطن يمنى يتألم لآلام وطنه ويصلى ليتوقف نزيف الدم، لنبدأ فى معالجة الجراح، وترميم الحطام المتناثر فى قرى ومدن اليمن.
كيف ترى خريطة الشعر فى الوطن العربى فى الزمن الرقمى وهذا السيل من الشعراء المزعومين الذين ألقت بهم ما تسمى بمواقع التواصل؟
هناك أسماء كبيرة فى عالم الشعر العربى، والكثرة لا تعنى قلة الإجادة، بل إن وسائل التواصل الاجتماعى أسهمت فى نجاح عدد كبير من الشعراء ممن استطاعوا توظيفها بشكل جيد، بينما يفتقد الغالبية هذه الميزة. ولا شك فى أن هناك عددا كبيرا من مدعى الشعر أو ممن يعتمدون على آخرين لكتابة قصائدهم، وقد ظهرت شواهد كثيرة على هكذا أمور، عندما يخرج شاعر معين ويتحدث عن سرقة قصيدته من قبل شاعر آخر. ورغم ما يبدو عليه الأمر من تعقيد، إلا أن ثقافة الشاعر وسعة مداركه هى ما تؤكد شاعريته من عدمها، كما أن الوقت كفيل ببيان صحة أو زيف شاعر معين، ولن تستمر الحالة طويلا، كون أغلب المدعين يبحثون عن شهرة وقتية، وقد ينجحون فى ذلك فى بعض الأحيان، لكنهم سيتوقفون عندما يدركون أن بضاعة الشعر لم تعد رائجة.