شهد سنترال رمسيس أحد أهم المراكز الحيوية في البنية التحتية للاتصالات وشبكات الإنترنت حادثًا تقنيًا بالغ الخطورة تمثّل في اندلاع حريق داخله وترتب على هذا الحريق تعطّل طال خدمات الاتصالات والإنترنت والمعاملات البنكية وخطوط الطوارئ، الأمر الذي يكشف عن ثغرات هيكلية عميقة في تصميم وتشغيل الشبكات .
على الفور انتقلت سيارات الدفاع المدنى والحريق إلى موقع الحادث وتعاملت على الفور مع النيران حيث امكن السيطرة عليها رغم تسارع إندلاع النيران وتجددها اثناء عمليات الإطفاء بسبب القابلية السريعة للكابلات والألياف الصناعية الإليكترونية للإشتعال السريع.
تم على الفور عمل غرفة عمليات لمتابعة تداعيات الحادث بمجلس الوزراء والتعامل الفورى للسيطرة على الآثار المترتبة عليه فى الشبكة الرقمية وخطوط الإتصالات والعمل على تحويل نقاط التواصل فيها إلى نقاط تحويل الطوارئ لمواجهة تعطّل خدمات الاتصالات والإنترنت والمعاملات البنكية.
تأتى أهمية سنترال رمسيس في أنه يُعد مركزًا رئيسيًا يُمثل نقطة محورية (Core Node) في شبكة الاتصالات المصرية.
يمر من خلاله حجم كبير من حركة البيانات المحلية والدولية، نظرًا لارتباطه المباشر بكابلات الألياف الضوئية القادمة من البحر الأحمر والمتوسط، وكذلك ارتباطه بجميع السنترالات الفرعية في القاهرة الكبرى.
يحتوي السنترال على تجهيزات أساسية لخدمات الإنترنت، وتحويل المكالمات، وخطوط الطوارئ، إلى جانب كونه بوابة لعدد كبير من الخدمات الرقمية والمالية، من أبرزها: خدمات الدفع الإلكتروني مثل إنستاباي.
شبكات الـ VPN وIPSec Tunnels المرتبطة بالبنك المركزي.
خطوط الـ PRI Circuits الخاصة بالبنوك .
بدأ الحريق في غرفة الكهرباء التي تضم المحولات واللوحات الرئيسية، ما أدى إلى تسرب الدخان إلى مناطق تشغيل الأجهزة الحساسة العاملة بالألياف الضوئية.
تسرب الدخان تسبب في تعطيل الإشارات الضوئية نتيجة انسداد مسارات الليزر داخل كابلات الفايبر، مما أدى إلى فقدان الإشارة (Loss of Signal).
إيقاف التيار الكهربائي تسبب في اعتماد الأجهزة على وحدات الطاقة الاحتياطية (UPS) التي لم تصمد لأكثر من دقائق محدودة، ما أسفر عن انطفاء مفاجئ كامل للأنظمة، وفقدان جداول التوجيه (Routing Tables) في مفاتيح الشبكة الأساسية.
تأخرت عملية إعادة التشغيل نظرًا لحاجة الأجهزة إلى تحميل الإعدادات والتهيئات من جديد، وهو ما تطلّب وقتًا طويلاً.
وكان للحادث تداعياتكبيرة على قطاعات الاتصالات والطوارئ حيث وقف مكالمات الطوارئ وتعطلت شبكات الهاتف الأرضي والمحمول في بعض المناطق كذلك فقدان الإشارات على عدد من خطوط الربط المحلية والدولية.
أيضا القطاع المالي والمصرفي تأثر تأثرا كبيرا حيث تعطّلت خدمات المعاملات البنكية اللحظية نتيجة انقطاع الشبكة عن بوابات المصادقة وتوقفت خدمات “إنستاباي” وبعض تطبيقات الدفع الإلكتروني كما تعطلت بعض أجهزة الصرّاف الآلي (ATM) على مستوى الجمهورية.
من ناحية أخرى تعرضت القطاعات الرقمية والتجارية إلى توقّف جزئي في خدمات الإنترنت في عدة مناطق وتأثرت خدمات الحوسبة السحابية والشبكات الخاصة للجهات الحكومية والشركات الكبرى.
أيضا ساهمت الثغرات التقنية في تفاقم الأزمة ومنها:
• الاعتماد على نقطة فشل واحدة (Single Point of Failure) في تصميم الشبكة.
• ضعف قدرة المسارات البديلة (Backup Paths) على التعامل مع الكوارث.
• غياب أنظمة التحويل التلقائي (Auto Failover) في بعض المعدات.
• استخدام نموذج الشبكة النجمية (Star Topology) بدلًا من النموذج الشبكي المتشابك (Mesh Topology).
• عدم كفاية خطط الطوارئ الرقمية وعدم جاهزية “الخطة ب” (Plan B) للعمل تلقائيًا.
ومن هنا يتحتم إعادة هيكلة البنية التحتية الرقمية لتبنّي نموذج الشبكة الموزعة (Distributed Mesh Network) التي تضمن التشغيل المستمر حتى في حالات الطوارئ مع رفع كفاءة وحدات الطاقة الاحتياطية UPS وتحديثها لتناسب الأحمال الزمنية الممتدة وتطوير أنظمة المراقبة والإنذار المبكر لضمان كشف المخاطر قبل تطورها.
كذلك العمل على زيادة الاستثمار في البنية التحتية للربط الاحتياطي وتفعيل المسارات البديلة لتكون عاملة باستمرار (Active-Active).مع إعداد خطط طوارئ متكاملة ومُختبرة دوريًا وتفعيل سيناريوهات الأزمات بصفة منتظمة.
ما حدث فى سنترال رمسيس يضعنا أمام فجوة حرجة ترتبط بالتصميم والمرونة التشغيلية للمنظومة الرقمية وتُعدّ جرس إنذار لتبنّي نهج شامل في حماية البنية التحتية الرقمية خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي في كل القطاعات.
