
ترجمة: يسرا محمد مسعود
مدرس مساعد بالجامعة الأفروآسيوية
ليس من قبيل الصدفة أن يُعقد هذا المؤتمر في قلب الغابة الأمازونية. إنها فرصة فريدة للمسئولين السياسيين والدبلوماسيين والعلماء والعسكريين والصحفيين لرؤية حقيقة الأمازون بأعينهم.
ففي الأمازون البرازيلية، وخلال قمة بليم التي تُعقد من 10 إلى 21 نوفمبر، في المرحلة الأولى من مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين حول التغير المناخي (كوب 30)، اجتمع قادة العالم خلال الأيام الماضية سعياً للالتزام بالتحرك العاجل الذي تفرضه الأزمة المناخية.وإن فشلنا في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، فإن مجتمعاتنا ستفقد ثقتها—ليس فقط في مؤتمرات الأطراف—بل في التعددية والسياسة الدولية ككل. لذا، أدعو القادة المجتمعين في الأمازون إلى جعل هذا المؤتمر لحظة حقيقية، منذ اللحظة التي نُثبت فيها جديتنا في التزامنا المشترك تجاه الكوكب.
لقد أثبتت البشرية قدرتها على تجاوز التحديات الكبرى عندما تتحرك بشكل متضافر ووفق توجيه علمي. فقد نجحنا في حماية طبقة الأوزون، وأظهرت الاستجابة العالمية لجائحة كوفيد-19 أن العالم قادر على التحرك بإصرار عندما تتوفر الشجاعة والإرادة السياسية. كما استقبلت البرازيل قمة الأرض عام 1992، حيث أُقِرّت اتفاقيات خاصة بالمناخ والتنوع البيولوجي والتصحر، وتم تبني مبادئ أرست نموذجًا جديدًا لحماية الكوكب والإنسانية.
وخلال السنوات الثلاث والثلاثين الماضية، أفضت هذه الاجتماعات إلى اتفاقيات مهمة وأهداف واضحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ووضع حد للتصحر بحلول عام 2030، ومضاعفة استخدام الطاقة المتجددة ثلاث مرات.
واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يجتمع العالم مجددًا في البرازيل لمواجهة التغير المناخي. وليس من المصادفة أن يُعقد المؤتمر في قلب الأمازون، إذ يتعلق الأمر بتمكين القادة والخبراء والمجتمع المدني من ملاحظة الواقع الحقيقي للغابات ولملايين الأشخاص الذين يعيشون في هذا الإقليم الحيوي.
ولا يمكن لمؤتمرات الأطراف أن تُختزل في عروض أفكار أو اجتماعات سنوية للمفاوضين؛ بل يجب أن تكون محطات للتواصل مع الحقيقة، ولخطوات عمل فعّالة في مواجهة التغير المناخي.
ولمعالجة هذه الأزمة معًا، نحن بحاجة إلى موارد. ويجب التأكيد أن مبدأ “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة” هو أساس لا يمكن التفاوض عليه في أي ميثاق مناخي.
ولهذا، تطالب دول الجنوب بتحسين الوصول إلى التمويل، ليس من باب الإحسان، بل من باب العدالة. فالدول الغنية كانت المستفيد الأكبر من الاقتصاد القائم على الكربون، وعليها اليوم أن تتحمل مسؤولياتها ليس فقط عبر التعهدات، بل عبر الوفاء بديونها المناخية.
وقد تولت البرازيل مسؤوليتها في هذا الجانب. فخلال عامين فقط، خفّضنا إزالة الغابات في الأمازون إلى النصف، ما يثبت أن العمل المناخي الملموس ممكن. وسنطلق في بليم مبادرة مبتكرة للحفاظ على الغابات، وهي “صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد”.
وتكمن خصوصية هذا الصندوق في كونه صندوق استثمار لا آلية منح. فهو يكافئ من يحافظ على غاباته وكذلك من يستثمر في موارده، في نموذج حقيقي يحقق المنفعة المشتركة لمكافحة التغير المناخي. وقد أعلنت البرازيل تقديم استثمار قدره مليار دولار في هذا الصندوق، ونتطلع إلى إعلانات طموحة مماثلة من دول أخرى.
كما قدمت البرازيل نموذجًا جديدًا من خلال كونها ثاني دولة تُقدّم إسهامًا وطنيًا محددًا جديدًا، متعهدة بخفض الانبعاثات من 59% إلى 67%، بحيث يشمل ذلك جميع الغازات الدفيئة وكافة قطاعات الاقتصاد. وبالروح نفسها، ندعو كل الدول إلى تقديم مساهمات وطنية طموحة وتنفيذها بفعالية.
إن التحول نحو الطاقة النظيفة ضرورة لتحقيق التزامات البرازيل الوطنية. ويعد مزيج الطاقة البرازيلي من بين الأنظف عالميًا، حيث يأتي 88% من الكهرباء من مصادر متجددة. كما تعد البرازيل رائدة في الوقود الحيوي، وتحقق تقدمًا في قطاعات الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر. وسيكون من الضروري إعادة توجيه عائدات النفط لتمويل التحول العادل والمنظم في قطاع الطاقة، إذ ستتحول شركات النفط حول العالم—including Petrobras—إلى شركات طاقة، لأن نموذج النمو القائم على الوقود الأحفوري لم يعد قابلًا للاستمرار.
إن وضع المواطنين في قلب القرارات السياسية المتعلقة بالمناخ والتحول الطاقي أمر ضروري. فالشعوب الأكثر هشاشة هي الأكثر تعرضًا لتبعات التغير المناخي، ولهذا يجب أن تركز خطط التحول العادل والتكيف على تقليل عدم المساواة.
ولا ينبغي أن ننسى أن ملياري شخص لا يحصلون على تكنولوجيا نظيفة أو وقود للطهي، وأن 673 مليون شخص ما يزالون يعانون من الجوع. ومن أجل التصدي لذلك، أطلقنا في بليم “إعلان الجوع والفقر والمناخ”. فالتزامنا بمكافحة التغير المناخي يجب ألّا ينفصل عن مكافحة الجوع.
ومن الضروري أيضًا إصلاح منظومة الحوكمة العالمية. فاليوم تعاني التعددية من شلل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فقد أُنشئ المجلس لحفظ السلام، لكنه عجز عن منع الحروب. ومن واجبنا الدفع نحو إصلاح هذه المؤسسة. وخلال مؤتمر الأطراف الثلاثين، سندعو إلى إنشاء مجلس أممي معني بالتغير المناخي مرتبط بالجمعية العامة، يتمتع بالقوة والشرعية اللازمتين لضمان تنفيذ الالتزامات المناخية، وسيشكل خطوة مهمة لكسر الجمود الحالي في النظام الدولي متعدد الأطراف.
وفي كل مؤتمر مناخي، نسمع الكثير من الوعود، لكننا نرى قليلًا جدًا من الالتزامات الفعلية. لقد انتهى عصر التصريحات ذات النوايا الحسنة… وحان الوقت لوضع خطط عمل واضحة.
ولهذا نطلق اليوم “مؤتمر الأطراف: مؤتمر الحقيقة”.
المصدر:
https://french.ahram.org.eg/NewsContent/4/132/74898/Opinion/Opinion/COP,-le-moment-de-v;rit;.aspx



