الجمعة, ديسمبر 19, 2025
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةتحقيقاتأرزاق المشنب تكتب| لولا عيالكم (حكاية مثل وذاكرة بيت)

أرزاق المشنب تكتب| لولا عيالكم (حكاية مثل وذاكرة بيت)

«لولا عيالكم يا قوم… كنا دعناكم كل يوم»

مثلٌ شعبيٌّ مصريّ، بسيط في ألفاظه، عميق في دلالته، يُقال غالبًا على لسان الجَدّة، تلك المرأة التي تحمل في قلبها ذاكرة البيوت القديمة، وتُمسك بخيوط الودّ بين الأبناء والأحفاد.

في بداية اللقاء، تكون الجدة في ذروة سعادتها؛
تلمع عيناها وهي ترى أولادها مجتمعين أمامها،
ويفيض قلبها فرحًا حين يلتف الأحفاد حولها، ضحكات صغيرة، وأقدام تركض، وأصوات تناديها بـ«تيتا» أو «ستّي».
في تلك اللحظات، ينساب الشوق دفعة واحدة، وتُوزَّع القُبَل، وتتعالى عبارات الترحيب، وكأن البيت يستعيد روحه القديمة.

لكن ما إن تهدأ حرارة اللقاء، حتى يبدأ فصل آخر من الحكاية.
الأطفال يلعبون، ثم يعلو اللعب،
تتصادم الضحكات، تتشابك الأيدي،
يتحول المرح إلى شجار،
وترتفع الأصوات حتى تضيق بها الجدران، ويثقل السمع، ويضطرب الصبر.

هنا، لا تصرخ الجدة غضبًا،
ولا تلجأ إلى التوبيخ المباشر،
بل تُطلق حكمتها الشعبية، ممزوجة بابتسامة نصفها حبّ ونصفها عتاب:

«لولا عيالكم يا قوم، كنا دعناكم كل يوم».

كأنها تقول:
أنتم الأحباب، واللقاء بكم راحة للقلب،
لكن مسؤوليات الأولاد، وصخبهم، ومتطلبات رعايتهم،
هي التي تجعل اللقاء متقطعًا،
وتحوّل الشوق إلى صبر،
والرغبة في التلاقي إلى حسابات وجهد وتعب.

فالمثل لا يلوم الأطفال، ولا ينتقص من محبتهم،
بل يعترف بحقيقة الحياة:
أن الأولاد نعمة،
لكنهم أيضًا مسؤولية،
تشغل الوقت، وتستهلك الطاقة،
وتجعل الاجتماعات اليومية حلمًا مؤجلًا.

وبمعناه العميق، يقول المثل إن انشغال الناس بتربية أبنائهم، والسعي لتأمين راحتهم، هو ما يقلل من فرص التزاور المستمر،
ولولا هذا الانشغال الشريف،
لاجتمع الأحباب كل يوم،
دون تعب… ودون ضجيج… ودون حاجة إلى وداع سريع.

إنه مثلٌ يختصر الحياة كلها في جملة،
ويجمع بين الحب، والتعب، والحنين،
وحكمة الجدة التي تعرف أن الضجيج عابر،
أما العِشرة… فباقية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات