بقلم د/مجدي أبو الدهب
فى بداية عملى تم تعيينى فى وحدة صحية فى إحدى قرى الصعيد الجوانى. وكانت تقع هذه القرية على مجرى النيل الذى يتسع فى هذه المنطقة ليحتضن جزيرة تشتهر بزراعة البطيخ الفاخرالذى يصدر إلى دولة الكويت. وأيضا بسكانها الطيبين جدا شأنهم شأن الذين نشأوا فى الحضارات الزراعية ولم تكن هذه الجزيرة المنعزلة حضاريا تعرف السيارات أو الكهرباء أوالإرسال التلفزيونى أوالهاتف وقتها…
وكان يعمل معى فى الوحدة موظفين من قاطنى تلك الجزيره. فى أحدى الليالى قرع باب سكنى الذى أقيم فيه داخل هذه الوحدة. طرقات متتالية فتحت فوجدت إحدى سكان هذه الجزيرة وهو موظف بالوحده ومعه بعض أفراد عائلته يطلبون منى الذهاب
معهم لتوليد زوجة ذلك الموظف لأن آلام المخاض فاجائها فى تلك الليلة حيث كنت طبيبا عاما أقتنى خبرات فى معظم التخصصات التى يحتاجها المرضى.فى ظروف هذه الأماكن شبه المنعزلة مكانيا وزمنيا. لم استغرق فى ترددى كثيرا وهممت للذهاب معهم ومشينا فى شوارع القرية الأفعوانية المظلمة الضي..حتى وصلنا الى شاطئ النيل.وكانت هذه أول مرة أعبر فيها للجزيرة. كانت
ليلة غاب فيها القمر وشحت حتى الأهلة. فوجدت فى إنتظارنا قارب صغير يسمى “الزمك” وهو لايسع إلا راكب واحد فأعترضت.وطلبت مركبا أكبر ليقلنا فطمأنونى كعادة أهل الريف .الذى يأخذون سيماء العالمين ببواطن الأمور. فركبت جوف الزمك وأحاط بى الرجال على الأطراف. وإذ الظلام الدامس يلف كل شئ فى السماء وكان الرجال يصطحبون معهم كشافا محمولا ذلك الذى يتم شحنه فطلبت إضاءة هذا الكشاف. فسرت همهمه بينهم فهمت بعدها.أنهم لايستطيعون فعل هذا حتى لايراهم غرمائهم فيطلقون علينا النار لأنه كثيرا ماكانت حوادث تبادل النار تتم بين الصيادين لنزاعات على مناطق الصيد بالنيل فسلمت
وحملنا الزمك ولاحظت أن الرجال يسيرون فى صمت مطبق فعرفت أن أصواتنا ربما تكون سببا آخر لإطلاق النار علينا وكانت تلك الخشبة الصغيرة التى تشبه قطعة تناثرت من سفينة كبيرة يعتليها الناجون من الغرق فى عرض البحر كانت تسير ببطء ربما بطول
الدهر. وعندما اصطدم هذا الزمك بطرف اليابسة فى الظلام , علمت أننا وصلنا شاطئ الجزيرة فشعرت أننى حصلت على فرصة مؤقتة للنجاة ومشينا داخل الجزيرة وعرفت أننى وصلت للبيت عندما سمعت جلبة الأقارب ورأيت إحتشاد الجيران عند مدخل الباب على الفور أخرجت أدواتى وبدأت أباشر عملى فى جدية حتى تمت الولادة بسلام وأثناء خروج المولود الى النور نسيت الأم كل آلامها وأخذت تسأل بلهفة عن نوع المولود وتلقفت سيدة عجوز تقف بجوارى, المولود من يدى وأعلنت البشرى بقدوم الذكر. وانطلقت الزغاريد تملأ البيت وكان رجع الصدى من الرجال إطلاق النار من البنادق الآلية التى شقت سكون الليل وعدت كما أتيت لكن أشعرنى الرجال بأنى الفاتح المنتصر كأننى كنت صاحب الفضل فى أن المرأة تنجب ذكرا وصلت إلى السكن بشعور من الإرتياح المضاعف حوالى الفجر سقطت على السرير فى نوم عميق وحلمت أننى غرقت فى مياه النيل