منذ أن انطلقت شرارة الثورات العربية في أواخر عام 2010 شهد الشرق الأوسط تحوّلات سياسية دراماتيكية أعادت تشكيل ملامح المنطقة وقلبت موازين القوى التقليدية. لم تعد خريطة النفوذ كما كانت ولا بقيت الأنظمة الحاكمة بمنأى عن موجات التغيير حتى تلك التي نجت من السقوط لم تخرج دون ندوب عميقة.
وقد بدأت الثورات بمطالب مشروعة منها الحرية، الكرامة، والعدالة الاجتماعية ولكن في كثير من الحالات تحولت الآمال إلى صراعات مسلحة كما في سوريا وليبيا واليمن حيث فُتحت أبواب الدول أمام التدخلات الخارجية وتحولت أراضيها إلى ساحات صراع إقليمي ودولي.
سقطت أنظمة حاكمة كانت توصف بـ”الصلبة” مثل نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا، إلا أن الثورات لم تنجح دائمًا في إنتاج بديل ديمقراطي مستقر بل في بعض الحالات عادت الدولة العميقة لتستعيد السيطرة أو وقعت البلاد في مستنقع الإنقسام والفوضى.
وقد أعادت الثورات خلط أوراق القوى الكبرى في المنطقة، حيث دعمت تركيا بعض حركات الإسلام السياسي محاوِلة استغلال الفراغات الناشئة. وإيران عززت حضورها في اليمن وسوريا ولبنان مستفيدة من انهيار الجيوش الوطنية. ودول الخليج مثل السعودية والإمارات اتخذت موقفًا مضادًا للثورات خشية انتقال العدوى وقد وسعت إلى إعادة التوازن من خلال دعم أنظمة معينة أو التدخل بشكل مباشر. وتآكل مفهوم الدولة المركزية في عدد من الدول، وبرزت كيانات مسلحة موازية للدولة في السلطة والنفوذ كما في اليمن وليبيا وسوريا. فلم تعد السياسة تدار فقط في القصور الرئاسية بل في مقار الميليشيات وغرف العمليات المدعومة خارجيًا.
ورغم الإخفاقات، فإن الشارع العربي لم يفقد تمامًا حيويته ، الحراك الجزائري (2019)، والاحتجاجات في لبنان والعراق (2019–2020) أظهرت أن الوعي الشعبي لم ينطفئ بل صار أكثر حذرًا وأكثر إدراكًا لحجم التحديات والمخاطر.
الثورات لم تنتهِ بل دخلت في موجات وتحولات ربما لم تحقق شعاراتها الكبرى بعد لكن المشهد السياسي في الشرق الأوسط تغير إلى الأبد. الأنظمة لم تعد مطمئنة والشعوب لم تعد صامتة وبين من يحاول استعادة “ما قبل الثورات” ومن يؤمن بـ”ضرورة التغيير” يقف الشرق الأوسط في مفترق طرق لم تُكتب نهايته بعد.
مدرس الدراسات اليهودية – كلية الآداب – جامعة المنصورة.