فى تلك الليلة اشتد سواد السماء وتوارى بريق النجوم فيما بقى القمر وحيدا فى مكانه يختنق الضوء فيه .. تتشابك خيوط النور من حولة فتكبله بظلمة حالكة لا صباح لها .
أحد النجوم يصرخ : اختل ميزان الكون ، لن تشرق السماء .. الشمس غابت و لن تأتى ثانية ….!
تساقطت دموع القمر تنهمر فى حزن دفين و تدثرت النجوم من حوله بخيوط النور الباهتة تتهالك شيئا فشيئا و الظلمة تتجمد من حولهم فى قسوة مميتة ……!
اختلطت أنفاسه فى صدره .. حاول أن يتقلب فى فراشه ينجو من لجة الظلمة يسقط فيها بلا قرار .. تحاول إيقاظه فيفزع لها .. ترتعد أوصاله رعدة موت محدق .. أذنت فى أذنه و هو يصرخ لقد غابت الشمس و النجوم أقامت لها سرادق عزاء .. قال لها : لم يكن فى السرادق غيرى أتلقى العزاء منى …..!
تعالى هاتف الشروق معلنا مقدم الشمس .. اصطف الجميع انتظارا لمقدمها .. من بعيد بدت الحافة الملكية خالية .. السواد يحتلها .. أين الشمس ؟ .. أين تباشير الصباح ؟ ..
أمسكت بكوب اللبن الدافىء تقترب منه .. احتضنته .. افترش قلبها خائفا .. دثرته بأنفاسها المتلاحقة قلقا و خوفا .. مررت أصابعها فى شعره تقشع السواد عنه .. تبحث فى رأسه عن قرص الشمس .. حاولت أن تخترق سواد رأسه تبعث النور فيها حبا و عطفا.. نظر إليها و كأنه يراها لأول مرة كانت الشمس قد تاهت عن مدارها و استقرت فى عينيها .. انتفض من فراشه .. حاول أن يصل إليها .. يتعلق فى خيوط النور فيها .. انزعجت منه .. قررت أن تصرخ فى وجهه .. لا تبحث عن شمسك فى عينى .. أشرقت فى قلبك و مازال النهار فيه طويلا و لكنك تبحث عن نهار آخر رحل قبل أن يشرق نوره .. قال لها شمسى غابت و سرادق عزاءها قائم .. وقفت فيه وحدى .. الجميع أيقن أنها النهاية و كنتى معهم تؤبنين خيوط النور فى المقبرة السوداء .. و لكنى أقاوم .. لن توارون شمسى .. سوف أمسك بشعاعات النور المتشابكة فيها و أعيد لها الحياة ……!
قالت له إنه نهارى أنا فلتقبل عليه و كلما خطا خطوة يدبره الطريق إلى الوراء حتى ارتد طفلا فى رحم أمه تتراقص الدنيا فى انتظاره ……!
قرر أن لا يولد و يعود من حيث أتى .. استدار بأحلامه وراء .. اختلطت دماؤه بأمه .. التحم بها .. توحدت روحه بها .. و ما أن أغلق عينيه حتى أشرقت الشمس من جديد ……!
فى ذلك الصباح كان الحضور قد غادروا المقبرة لتوهم و بقيت هى إلى جواره تقرأ شيئا من القرآن تبلله بقطرات الرحيل .