الفنان التشكيلى محسن أبو العزم: تأثرت بلوحات المستشرقين.. لكننى أمزج فى لوحاتى بين الواقعية والسخرية

الفنان التشكيلى محسن أبو العزم:

فنان مغرم بتجسيد الحارة المصرية

لوحاته تعبر عن الطقوس الشعبية والحياتية بطريقة كاريكاتيرية

ما يحركه فى لوحاته هو حبه لمصر وحب الناس لفنه

أمى أول من اكتشف موهبتي.. وتعلمت من لوحات الرواد

حوار: أمنية حجاج

يُعد محسن أبو العزم أحد الفنانين التشكيليين الذين نشأوا فى محافظة الفيوم بين كنف الحارة الشعبية المصرية التى تأثر بها من خلال ذكرياته بالعادات والتقاليد المصرية الأصيلة واختزنت بالتالى تفاصيل الشارع المصرى. تتميز لوحاته بأنها عالم مفتوح ومتسع يشمل كل خيالاته الممكنة فى المشاهد التى يجول معها فى البيئة الشعبية ويغوص فى أدق تفاصيلها من تجارب عاشها واقتنص لقطات من حياة الشارع المصرى بحاراته وأزقاته، كما تميز بتصويره لنساء لوحاته المصريات بملامح أفريقية بها غلظة بعض الشئ وأجسام ممتلئة كما هو حال معظم النساء فى المناطق الشعبية، ويقدم صورا وقصصا كاريكاتيرية وتعبيرية عن حوارى مصر وأهلها البسطاء، وتناول الشخصية المصرية البسيطة بعاداتها وأفكارها وتقاليدها ومميزاتها وعيوبها ونقلها بوعى كامل فى ما يقرب من مائتى لوحة عن الحارة الشعبية التى تمتلئ بالتفاصيل والديناميكية الحياتية.

فى الحوار التالى نتعرف على مسيرة الفنان القدير محسن أبو العزم، وعلى مسيرة حياته الفنية:

بداية .. متى بدأت رحلتك مع الإبداع الفنى التشكيلى؟

الفن عمومًا موهبة يولد الإنسان بها، لكن الموهبة وحدها لا تكفى دون دراسة، وأيضًا الرد الإيجابى حول الموهوب وأحمد الله على تلك الموهبة التى دامت معى منذ الصغر وشجعنى عليها كل من حولى خاصة والدتى. ومن هنا كان لابد أن أنظر للبيئة من حولى وأراقب الأحداث والعادات والتقاليد والمناسبات فى الأحياء الشعبية التى تُعد أصل القاهرة القديمة، واختزن هذه المشاهد ليس بعين الفنان ولكن بعين المشاهد فقط، وكنت أخططها على الورق بالألوان، وتشجعنى أمى على ذلك وتمدنى بالورق والألوان كى تنمو لدى هذه الموهبة، وأيضًا من خلال دراستى حيث أننى حاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم التصوير بجامعة حلوان، وعملت بمجلة صباح الخير وروز اليوسف وأخبار اليوم، وكنت أشارك فى المعارض الصغيرة منذ صغرى فى الابتدائى، وعندما التحقت بالمدرسة الثانوية وجدت تشجيع من معلمة التربية الفنية، وعندما التحقت بكلية الفنون الجميلة عام 1976 كنت أرى بعض اللوحات لفنانين كبار وأساتذة بالكلية لأتعلم منهم.

يساهم الفن الشعبى فى الحفاظ على العادات والتقاليد والهوية الثقافية، كيف استخدمت ذلك فى لوحاتك؟

الفن عمومًا يمثل أهل المجتمع بعاداته وتقاليده وحياته اليومية وسلوكياته الشعبية، والفن يعكس كل هذه النماذج والعناصر فى لوحاتى، فكل مجتمع من المجتمعات له ثقافته وموروثاته وتقاليده التى يحافظ عليها، فهى نابعة من الناحية الدينية أو من تأثير الحضارات القديمة. فمصر مرت بعدد من الحضارات ما قبل التاريخ مثل الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية والقبطية والإسلامية، كل هذه الحضارات أثرت تأثيرًا إيجابيًا على الفن فى مصر، وهو ما يتضح فى الفن الشعبى والمجتمع، وتنعكس هذه العناصر فى لوحات أو تماثيل أو أى نوع من أنواع الفنون الأخرى، وقد تأثرت بها من خلال الحياة اليومية للمصريين سواء الرجل أو المرأة أو الأسرة والمجتمع عمومًا وطبقتها فى لوحاتى. كذلك بعض المناسبات مثل الاستعداد لقدوم شهر رمضان والأعياد والأفراح وحتى الأحزان وغير ذلك من الأحداث التى تمر بالمجتمع المصرى. علمًا بأننى نقلت من خلال لوحاتي بعض المهن التى ارتبطت بالحارة مثل القرداتى، والدلالة، والخاطبة، والنجار الشعبى، ومكوجى الرجل، وغيرها من المهن الشعبية.

أيضًا، تأثرت ببعض الفنون الأخرى من قِبل المستشرقين عندما جاءوا للمشرق العربى فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لأنهم كانوا مبهورين بسحر الشرق وما يوجد فيه من تأثير للحضارات وتصوير الأحياء الشعبية والمبانى والأشخاص أو الأزياء والعادات والتقاليد، ولفت كل ذلك نظرى بشدة لأنهم كانوا يعبرون بصدق عن البيئة فى الشرق ولكن كان ينقصهم معرفة أن الذى يعبر عن البيئة هو الفنان الذى يعيش فيها وأيضًا النواحى الدينية التى لا يعلمها إلا ابن هذه البيئة. لكن الحق يُقال بأن الفنون الاستشراقية رائعة، وكنت أحاول الوصول بالدقة والأمانة فى نقل فنون الشرق العربى مثلهم.  وأرى أن الحارة المصرية لا يفهم تفاصيلها إلا المصرى.. وهو ما يفسر قدرة الفنان الأجنبى أو المستشرق على نقل صورتها بمنتهى الأمانة، لكنه لا ينجح فى نقل جوهر التفاصيل. ومهما كانت لوحة الفنان الأجنبى للحارة المصرية بديعة، فدائما ما تتخللها رائحة أوروبية تنال من شرقيتها الأصيلة.

صورت المرأة بشكل واقعى .. حياتها وأنشطتها .. لماذا كل هذا الاهتمام بالمرأة بصفة خاصة فى معظم لوحاتك؟

المرأة بالطبع تمثل ثلثين المجتمع وليس نصفه كما يُقال، لأنها الأم والأخت والابنة والزوجة والحبيبة، لذا، فمعظم تصويرى عن المرأة لأنها عامود المجتمع، وفى حياتها اليومية عادات وتقاليد وعضو مهم فى المنزل، فلابد من الاهتمام بها إلى حد كبير، وعندما أصور المجتمع أصوره بسلبياته وإيجابياته كأى مجتمع. ويمكن أن نسميها ناحية نقدية لكنها مغلفة بالفكاهة وتميل للكاريكاتير، لكن الفن ليس كاريكاتير أو كرتون، هناك فرق، وأحيانًا يُطلق على فنى كاريكاتير، والمعرض المقام حاليًا فى قاعة “باى” بالزمالك عن البيئة الشعبية، ويُعد امتدادًا لمعارض أخرى، وهذا المعرض هو رقم 14 بالنسبة لى، وهذا المعرض ليس قاصرًا على الطبقة الدنيا فقط، ولكن عن الطبقة الوسطى حتى يكون لكل المجتمع أو بعض طبقاته.

كيف تنظر إلى الفن التشكيلى العربى؟

أتمنى أن يصور الفن التشكيلى العربى الحياة أو البيئة العربية، لكن للأسف كثير من الفن العربى سواء فى مصر أو الوطن العربى يميل ناحية التغريب أو التصوير الغربى، وأتمنى من كل فنان أن يعبر عن البيئة التى يعيش فيها، لأن كل بيئة فى الوطن العربى لها إقليمية أو خصوصية، ونحن فى مصر مثلاً نجد بعض العادات والتقاليد يمكن أن تختلف عنها فى أماكن أخرى نظرًا لاختلاف البيئة. فالبيئة الصحراوية غير بيئة السهول أو البيئة الحضارية القديمة أو البيئة الحاَّرة أو الباردة، فكل بيئة لها خصوصية، وهذا يؤثر على العادات والتقاليد والسلوكيات والشكل العام بالنسبة للبيئة، فلا يعبر عن البيئة تعبيرًا صادقًا إلا ابن البيئة نفسها، والفن التشكيلى العربى لابد أن يعبر عن الهوية العربية كل فى مكانه وبلده.

وبالطبع هناك اختلاف جوهرى بين رؤية الفنان المصرى للحارة عن رؤية الأجنبى لها، خاصة فى نقل المشاعر والتفاصيل الدقيقة وروح الحارة تشكيليا. فالفنان المصرى يعيش واقع الحارة ويتعامل مع أهلها سنين عن قرب وينفعل بكل تفاصيلها.. بينما الأجنبى ينقل صورة مختلفة لفتت انتباهه ليس بها عمق مثل الفنان المصرى، فالأجنبي يتعامل مع الحارة بالكاميرا الفوتوغرافية حيث يعطى صورة متقنة قد تفتقد الروح أحيانا.

هل ترى أن الذكاء الاصطناعى يهدد الفن التشكيلى؟

الذكاء الاصطناعى ظهر فى الآونة الأخيرة مثل التطور الطبيعى الذى يطرأ على كل شئ، لكن لا يستعمل الفنان بذكاء لأنه سلاح ذو حدين يمكن أن يفيد أو يضر فى الوقت نفسه .. لكنه غالبًا لا يفيد فى عملنا كفنانين تشكيليين.

ما رأيك فى أبناء جيلك من الفنانين التشكيليين .. وترى من له بصمة مميزة فى هذا الفن؟

كثير من أبناء جيلى لهم بصمة مميزة، وللأسف كثير منهم اتجه نحو التغريب، أى نحو الأساليب الغربية فى الفن التشكيلى، أتمنى أن نتمسك بتراثنا ونعبر عن الأحداث التى نمر بها وعن همومنا، وعن الموروث الثقافى الشعبى عمومًا.

ما الفرق بين جيلكم وجيل الآباء المؤسسين للفن التشكيلى؟ ماذا فعلوا وماذا أضفتم؟

الفرق بين جيلنا والجيل المؤسس للفن التشكيلى أو جيل الآباء، فمن المؤكد أن جيل الآباء هم أساتذتنا الذين تعلمنا منهم ولازلنا نتعلم حتى الآن، نتعلم منهم الأسس والأساليب الفنية فى عملنا، وليس هناك فرق بين جيل الآباء المؤسسين وجيلنا، لأن كل جيل يعبر عن بيئته والزمن الذى يعيش فيه، فزمن الثلاثينيات والأربعينيات يختلف عن زمننا الآن، وأيًا يكن فهم القدوة والأسوة الذين تعلمنا على أيديهم.

بعض الكُتاَّب والشعراء ظهرت عليهم أعراض الفن التشكيلى فجأة ويقيمون معارض؟

أقول أننا لابد أن نبدأ من الأساس، أى الأسس الفنية، فالفن للجميع لكن له أسلوب ومذهب كلاسيكى وفن تقليدى، فلابد من أن نبدأ السلم من أوله، ولكن أن نبدأ من الآخر أعتقد بأنه أسلوب مثل الفقاعة يأخذ وقته وينتهى. أما بالنسبة للمذهب السريالى أو المدرسة السريالية فللأسف أن بعضهم اتخذ هذه المدرسة لإخفاء الأسس الفنية الأولى للفن، وتوجد الآن أساليب بأن الفن للجميع، الفن الأصلى له أسلوبه وأسسه التى تعلمناها.

هل ترى أن القائمين على المعارض عادلين فى إتاحة الفرصة للإبداعات التشكيلية الحقيقية؟

عفوًا لا تعليق على القائمين على معارض الفنون التشكيلية. أما بالنسبة للعارضين فهناك الكثير من الشباب الموهوبين لكنهم لا يجدوا الفرصة فى العرض .. وأنا أعرف كثير من الشباب الموهوب جدًا والذين يمكن أن يكون لهم بصمة فى المستقبل، ولكنهم لا يجدوا قاعات لعرض أعمالهم أو حتى حصولهم على شهادات تقدير أو جوائز .. فالشباب مظلوم فى هذه الناحية.