كتب : محمد حسين زغلة
اشتهرت مصر المحروسة بمدنها ومياهها المعدنية والكبريتية التى تفوق نسبته جميع العيون الكبريتية والمعدنية فى العالم علاوة على توافر الطمى فى برك هذه العيون الكبريتية بما له من خواص علاجية تشفى العديد من الأمراض الجلدية وأمراض العظام والجهاز التنفسى والجهاز الهضمى وكذا الاستشفاء لمرضى الروماتيزم المفصلى وذلك عن طريق الدفن فى الرمال لأن جوها الجاف الخالى من الرطوبة يصلح لعلاج الكثير من الأمراض وأيضاً تـعدد شواطئها ومياه بحارها ذو الخواص الطبيعية المتميزة والعيون الكبريتية والمعدنية تمتاز بتركيبها الكيميائى النادر كما أكدت الأبحاث أن مياه البحر الأحمر بمحتواها الكيميائى وشعابها المرجانية تساعد على الاستشفاء من مرض الصدفية .
فالمناطق السياحية فى مصر تتمتع بميزة السياحة العلاجية ذات شهرة تاريخية عريقة مثل \” عين الصيرة والعين السخنة وحلوان والغردقة والفيوم وأسوان وسيناء والواحات ومدينة سفاجا \” التى تطل على شاطىء البحر الأحمر فهى تتمتع بجميع عناصر السياحة العلاجية والتى تزورها الأفواج السياحية من جميع أنحاء العالم لأن مصر إحتلت موقعاً متميزاً على خريطة السياحة العلاجية ولذا أصبحت مقصداً لراغبى الاستشفاء من جميع أنحاء العالم حيث يأتي إليها السائحون للأستمتاع بالمناخ الصحى والعلاج الطبى الطبيعى تحت رعاية أطباء متخصصين فى جميع الفروع والمستشفيات الحديثة التى يتوافر بها أحدث الأجهزة العالمية يساندهم أخصائيون فى العلاج الطبيعى على أعلى مستوى من الخدمة إلى جانب تقديم برامج سياحية متنوعة لزيارة ألاماكن السياحية الفريدة فى مصر .
فإن المصريون القدماء إعتقدوا أن الإنسان سوف يبعث مرة ثانية بعد موته ليحيا حياة الخلود ولذلك حرصوا على الاحتفاظ بأجساد الموتى عن طريق تحنيطها كما راعوا دفن جثث الموتى بعيداً عن رشح المياه ووضعوها فى قبور حصينة فى ألاماكن الجافة فى الصحراء وفى داخل الأهرامات وكانت هذه العمليات تتم فى ظل علوم طبية متقدمة وأطباء أكفاء قادرين على استخدام كل ما تجود به الطبيعة من مواد صيدلية وكيمائية فقبل ثلاثة آلاف عام من مولد عيسى عليه السلام أنجبت مصر \” ايمحوتب \” أبو الطب العالمى ورائده الأول بإجماع المؤرخين يوم أن كانت الانسانية بعد فى طفولتها الأولى أهدتها مصر فى \” أيمحوتب \” عبقرية طبية والمخترع الأول لفن الطب بلا منافس وأول صورة لطبيب واقعى , وأصبح إلهاً شعبياً محبوباً وبتزايد الكشوف الأثرية التى تركها على مر الزمن بزغت الأهمية الطبية والعلاجية للعديد من المواقع فى أرجاء مصر والتى سنتحدث عنها بإستفاضة فيما بعد لما لهذه الأماكن من مياه معدنية ورمال وكثبان قادرة على علاج وشفاء العديد من الأمراض المستعصية فى عالمنا
اليوم مثل الأمراض الجلدية والروماتزمية .
هذا وقد أعطت الدولة الأهمية الطبية والعلاجية لهذه الأماكن فقامت على رعايتها والاهتمام بها حيث أصبحت من أرقى أماكن الاستشفاء فى العالم كله .
وعن الاستشفاء الطبيعى فى مصر فيوجد المئات من العيون والآبار الطبيعية ذات المياه المعدنية والكبريتية وتختلف فى العمق والسعة ودرجة حرارتها ما بين \” 30 , 73 \” درجة مئوية فقد أثبتت التحليلات المعملية إحتواء الكثير من هذه الينابيع الطبيعية على نسبة كبيرة من عنصر الكبريت مقارنة بالآبار المنتشرة فى معظم أنحاء العالم كما تحتوى هذه المياه الطبيعية على عدة أملاح معدنية وبعض المعادن ذات القيمة العلاجية من أمثال كربونات الصوديوم ونسب متفاوتة من بعض العناصر الفلزية مثل الماغنسيوم والحديد وقد أظهرت القياسات المعملية ملاءمة نسبة الملوحة فى هذه الموارد المائية الطبيعية للأغراض الإستشفائية ويضاف إلى ذلك انتشار آبار المياه الطبيعية النقية الصالحة للشرب والتى توسعت مصر فى استثمارها وإنتاجها على نحو إقتصادى فى السنوات الأخيرة فى إطار رقابة علمية دقيقه فى الجودة والمواصفات القياسية من حيث درجة النقاء من الشوائب والطفيليات والجراثيم ودرجة عسر الماء والتركيب الكيميائى مما دفع بالعديد من الشركات الوطنية والأجنبية الكبرى إلى التنافس للاستثمار فى هذا المجال .
لم تكن رمال مصر أقل أهمية من مياها فقد أظهرت الدراسات إحتواء الكثبان الرملية بالصحراء المصرية على نسب مأمونة من العناصر المشعة وقد أدى العلاج بوضع الجسم أو الوضع المؤلم منه بالرمال لفترة محددة إلى نتائج مزهلة فى الأمراض الروماتزمية مثل مرض الروماتويد والآلام العمود الفقرى والألم الحاد والمزمن الذى إحتار فيه الطب الحديث .
ومن أماكن الاستشفاء الطبيعى فى مصر
عين حلوان من أشهر العيون المائية في مصر وتلك الشهرة بسبب كمية الكبريت المعالجة التي تصل إلى 27% وفي عام 1939 انفجرت عين ماء معدني طبيعية من باطن الأرض .
تقع عيون حلوان فوق مستوى النيل بما يقرب من 33م ويبعد عنها النيل بمسافة تقدر بحوالي 4كم والمنطقة الموجود فيها العيون تقدر بحوالي 4.5 كم في الناحية الشمالية الجنوبية وبحوالي 3.5 كم في الناحية الشرقية الغربية .
لقد عرفت عين حلوان في عصر المصريين القدماء فقد ذكرت في حجر رشيد باللغة الهيروغليفية باسم \”عين آن\” حيث إعتبرها المصريين القدماء نوعاً من الأعمال الخيرية الإلهية وزاد الإهتمام بهذه العيون في عصر الخليفة عبد العزيز بن مروان حيث أجتاح مدينة الفسطاط مرض الطاعون في عام 690 مفأرسل الخليفة كشافين لكي يكتشفوا مكان صحي لإقامته، فتوقفوا في حلوان وفيها أسس حكومته وأقام ثكنات للجنود ونقل الدواوين إليها، ثم اندثرت بعد ذلك لتظهر في عهد الخديوي عباس الأول .
ففي عهد الخديوي عباس وبالتحديد عام 1849 كان الجيش يعسكر بالقرب من حلوان وتصادف أن أصيب العديد من الجنود بالجرب وكان أحد هؤلاء الجنود يتجول في الصحراء ناحية التلال فاكتشف مياه غريبة تحتوي على كبريت وما أن اغتسل فيها حتى تناقصت حكة الجلد وشفي منها فأخبر رفاقه بالأمر وشفوا مما أصابهم ووصلت أخبار هؤلاء العسكر للخديوي فأرسل الجنود المصابين بالأمراض الجلدية والروماتيزمية إلى عيون حلوان وكان يتبعهم كذلك العديد من المدنيين، ويقيمون في خيام ويحفروا حفراً صغيرة ليخرج بها الماء الشافي.
وفى عام 1868 أرسل الخديوي إسماعيل لجنة لدراسة هذه العيون وأصدر بعدها فرماناً ببناء منتجع حراري وتم الانتهاء منه عام 1871 وبني فندق بالقرب منها وقد عهد بإدارة المنتجع عام 1872 إلى الدكتور رايل وهو أحد الباحثين الذين درسوا تأثيرات مياه حمامات حلوان الطبية .
وفى عام 1899 افتتح عباس حلمي الثاني عيون حلوان الكبريتية بعد تشييد مجموعة الحمامات الحالية واندفع السائحين إليها من مختلف البلدان وهنا بدأت حلوان تصبح منتجع سياحي وخاصة بعد تخصيص فندق للحمامات في شارع منصور .
اتجهت الأحلام في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى الاستغلال السياحي الأمثل لمنطقة حلوان الغنية بالعيون المعدنية والكبريتية حيث كانت تعتبر
من المدن ذات السياحة العلاجية وكانت تعتبر مشتى عالمياً ولكنها استبعدت مؤخراً من الخريطة السياحية بسبب ارتفاع نسبة التلوث بها بعد إنشاء مصانع للأسمنت بالقرب منها .
ويقال أن السبب في وجود هذه العيون احتمال انسيابها بالقرب من بركان خامد، والماء يخرج منها شفافاً وصافياً إلى سطح الأرض لكن عند ملامسته الهواء يغطى الماء بطبقة من الكبريت المخلوط بملح الكالسيوم فهذا الماء من أغنى العناصر الشفائية الطبية لكثير من الأمراض مثل الأمراض الجلدية والآلام الروماتيزمية والمفصلية وأمراض الكبد .
وبعد فحص وتحليل مياه عيون حلوان وجد العلماء أن هذا الماء يعد من أغنى العناصر الشفائية الطبية وبالإضافة إلى مناخ حلوان الجاف فهذا يهيئ جواً مناسباً للاستشفاء من أمراض عديدة أهمها الأمراض الجلدية والآلام الروماتيزمية والمفصلية وأمراض الكبد والمسالك البولية وغيرها ويعتبر مناخ حلوان بهذا مثالي للمصحات العلاجية .
وقد أسس مركز حلوان الكبريتى للروماتزم والطب الطبيعى على طراز إسلامي عربى وهو يضم 38 حجرة للعلاج بالمياه الكبريتية وغرفاً للاستراحة، وشاليهات لإقامة المرضى على بعد خطوات من أماكن العلاج وجميعها محاط بحدائق جميلة لتوفير مكان رفيع لإقامة المرضى .