عندما طلب من رئيس التحرير كتابة سلسلة مقالات لتحليل الوضع الصحى فى مصر حاليا فى اطار مناقشة مشاكل هذا القطاع الخدمى والذى يمس المجتمع كله وخاصة ان الصحة حق دستورى لكل مواطن وفى نفس الوقت يمثل قضية أمن قومى للدولة لأن الصحة والتعليم هما أهم مقومات أى مجتمع وأى دولة تحاول أن تنهض وترتقى بمستوى مواطنيها ولذا سوف أحاول خلال تلك السلسلة من المقالات أن اضع يدى على ماهية تلك المشاكل والمعوقات فى القطاع الصحى وسوف أحاول أيضا من خلال تلك المقالات أن نضع الحلول المناسبة لها فى إطار المعايير الدولية للصحة وفى إطار خصوصية مجتمعنا المصرى والذى مازالت تحكمه بعض العادات والتقاليد والأعراف الممتدة بنا عبر آلاف السنين وترسخت لدينا بحيث لايمكننا انكارها أو التهرب منها او الالتفاف حولها ولذا فشلت كل المحاولات السابقة للدولة فى اطار تطبيق النظم الصحية الخارجية كما هى بدون محاولة تمصيرها بما يتناسب مع طبيعة المجتمع المصرى وايضا فى ظل الموراد المالية المتاحة لقطاع الصحة بمصر والذى يمثل ادنى المستويات المالية المتاحة والذى لايزيد عن 5% من ميزانية الدولة المنخفضة من الاساس .
ولذا ابدأ سلسلة المقالات بتعريف الصحة من الأساس والذى تاه منا فى ظل الكم الهائل من الامراض المنتشرة داخل مجتمعنا المصرى بصورة مفزعة جدا فى كل تصنيفات الامراض للأسف …
الصحة بمفهومها البسيط لدينا جميعا هو الخلو من الامراض وان نتمتع بقوتنا الجسدية فى احسن حال ممكن وبالطبع هذا تعريف صحيح نسيبا ولكن يضاف الى هذا التعريف ان نتمتع ايضا بقوتنا الذهنية والنفسية فى احسن حال ايضا ولذا قالوا قديما ان العقل السليم فى الجسم السليم اى سلامة عقولنا وتفكيرنا فى سلامة اجسادنا ولذا حينما اعتلت ومرضت اجسادنا بشتى الامراض فى عصرنا الحديث اعتل ومرض تفكيرنا ايضا ورأينا ما رأينا من الافكار والتصرفات الشاذة وغير الطبيعية والتى انتشرت فى مجتمعنا المصرى خلال العقود السابقة …. لذا اصبح لزاما علينا ان نعرف مفهوم الصحة بتعريفه الصحيح وهو التمتع بحياتنا بعيدا عن الامراض الجسدية والعقلية والنفسية معا فى اطار بيئة صحية سليمة خالية من كل انواع التلوث البيئى والسمعى والبصرى من خلال اتخاذ جميع الاجراءات الوقائية تجاه تلك الملوثات التى تصيبنا بالامراض المختلفة .
ولذلك كانت تسمية الوزارة المختصة بعمل ذلك هو وزارة الصحة اى ان الهدف الاستراتيجى لوزارة الصحة هو الصحة واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك من خلال تطبيق الجانب الوقائى للمنظومة الصحية وليس الجانب العلاجى اى ان وظيفة وزارة الصحة من الاساس هو منع المرض وليس علاج المرض …… بالطبع هذا لا يعنى أن لا تهتم وزارة الصحة بعلاج المرضى او بناء المستشفيات او توفير الادوية او غيرها لعلاج المرضى ولكن المقصود أن لا يكون ذلك على حساب الجانب الوقائى من المنظومة الصحية من منع المرض من الاساس …وللأسف هذا ما حدث على مدار عقود طويلة من عمل وزارة الصحية والتى بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضى مما ادى الى عدم نجاح وزارة الصحة فى اداء وظيفتها الاساسية لان اهمال المنظومة الوقائية ادى الى انتشار الامراض بهذا الشكل المفزع واصبحت المنظومة الصحية مختلة تماما لان امكانيات اى دولة مهما كانت لا تستطيع ان تعالج كل هذا العدد من الامراض المزمنة والحادة وبالتالى اصبحت المنظومة كالثوب المقطوع كلما حاولت ان تصلح جزء منه ينقطع جزء اخر وكلما حاولت ان تعالج مرض ما تنفتح عليك ابواب امراض اخرى .
وفى نهاية مقالى الاول اشير ان بداية حل المنظومة الصحية يأتى بتحديد الدور الرئيسى لوزارة الصحة وهو منع المرض نفسه بالاهتمام بالمنظومة الوقائية على كافة مستوياتها البيئية …… والى مقالى الثانى لاستكمال الخطوات الواجب اتخاذها فى اطار هذا المفهوم للصحة …
أ . د . علاء المهدى
خبير إدارة طبية